شهادة إبداعية في تجربة
الشاعر محمد تركي حجازي
(قدمت في رابطة الكتاب إربد الأربعاء 8/6/2011م بمناسبة توقيع ديوان قصاصات من دفتر الغيم)
بقلم: عبد الرحيم جداية
منذ سنوات حدثني الدكتور الشاعر إبراهيم الخطيب عن الشهادة الإبداعية وقيمتها الأدبية، كما حدثني رحمه الله عن قيمة الشهادة الإبداعية للشاهد والمشهود له، حينها بحثت عن شهادات إبداعية فلم أجد إلا القليل، وبعدها بدأت التجربة تتطور مع توقيع ديوان لمبدع أو خلال قراءة لتجربة شاعر لتبقى الشهادة الإبداعية عالماً غامضا نبحث فيه تارة في سيرة المبدع وتارة يتحدث الشاهد عن منجزات المبدع.
وأحياناً تكون الشهادة الإبداعية عن شخص المبدع وفكره وتكوينه لنبقى حائرين بين الشهادة الإبداعية، والسيرة الشخصية، والقراءات الذوقية والنقدية، ومع هذا فقد منحني الشاعر محمد تركي حجازي شرف الكتابة لأكون شاهداً على إبداعه وهذه مسؤولية عرضها الله على الملائكة والأرض والمخلوقات فأبوا أن يحملوها ، وحملها الإنسان، الذي اعتاد ظلم نفسه وغيره.
حملها الإنسان بأنانيته وموضوعيته، حملها بمشاعره وأحاسيسه، وحملها معبراً عن حريته في الكون وأبعاده، محلقا مع الشاعر في أعلى الفضاءات أو هابطا معه في قيعان البحار والمحيطات.
لهذا لربما تكون هذه الشهادة الإبداعية، شهادة متطرفة وربما تحمل بعض الوسطية والإنصاف، فبذور معرفتي بالشاعر محمد تركي حجازي بدأت في اتصال القصيدة بعيدين في المكان، وكان أحدنا يقرأ للآخر في موسوعة أجمل ما قيل في الغزل والمرأة التي أنجزها للوجود الشاعر علي هصيص، وقرأت قصيدة إلى طفلة التي كتبها الشاعر محمد تركي حجازي في الموسوعة، والتي يقول فيها:
يا طفلة بالجدِّ واللعبِ من نبع صوتك يرتوي طربي
لا زلت أجمل طفلة ولدت في الأرض بعد طفولة الأدبِ
وعلى مسافة كان يقرأ قصيدة ذات الرداء التي نشرتها في نفس الموسوعة والتي قلتُ فيها:
كلُّ النساءِ شربنَ اليوم من ألمي والكأس ينزف أناتي وينتحبُ
والريحُ تصرخُ هذا الدمع مقتطعٌ من بئر حزني هذا الصيفُ قد شربوا
فعلى البعد جمعتنا الموسوعة وقافية الباء المنكسرة عنده والمرفوعة بحزنها والتهابها عندي، وكان كلٌّ منّا يبحث عن الآخر ليراه ويسمعه ويتلو عليه بعض الشعر، لأن الشاعر محمد تركي حجازي شاعر تقرأ له، ولكنه يزيدك متعة إن استمعت لشعره فهو شاعر جُبلَ من الحرف والكلمات، شاعرٌ ولد من الموسيقى والإيقاع، شاعرٌ تظهر أحاسيسه ومشاعره على وجهه، وجسده لغةً لغناء الشعر.
وكان لي الشرف أن أجمع بين قراءة الشعر والاستماع إليه في مهرجان الكنانة الشعري الذي اقامه منتدى عقربا، وفي المهرجان الديني بمواسمه الثلاث الذي أقامه ملتقى اربد الثقافي، وفي العديد من الأمسيات كان لنا شرف اللقاء الممزوج بروح عطشى لقيم الشعر والجمال، لكن صمته وهدوئه الغالبان عليه يتشققان ليولد وهج الشعر والقصيد على وجه الشاعر محمد تركي حجازي، وتلك البداوة التي تظهر في جسمه ورسمة ولون الحنطة في وجهه أخذاني إلى حوران وسهولها.
وهذا ما تركني دائما في حيرةٍ من أمري، وحيرةٍ من أمره، في حيرةٍ من أمري وأنا أتساءل ما الذي يسكن داخله..؟!! وفي حيرة من أمره كيف يطيق صبراً على ذلك البركان الذي يغلي داخله..؟!! فهل أرتد على آثاري قصصا، وإن فعلتُ فهل أجد شاعراً صالحا ما نسي الحوت لكنه اتخذه سبيلا في البحر عجبا..؟!!
فآية الشعر عند محمد تركي حجازي، هي آية التأمل والتفكر في الكون والوجود، وآية البشير والنذير، وآية الهدى الإلهي، حتى حمل الشاعر رسالة الأدب والمجتمع بحثا عن مسار الإصلاح المجتمعي، فهل اتبعه على أن يعلمني..؟!! لكنه هيهات هيهات، فأنا الذي لم أستطع مع نفسي صبرا، فكيف أطيق معه صبرا، ولو أتبعتُ سببا لعرفت معه طريق الشعر والجمال، ولو بلغت مغرب الشمس عرفت آية الليل والنهار، ولو جعلت بيني وبين الشعر ردما ما انفك قلمي مستعصيا على الشعر.
أفقتُ على صوت الشاعر محمد تركي حجازي يغني بعينين مغمضتين، وقلب متوثب، وروح عطشى، وأسئلة حيرى تلح عليّ من هو؟؟، من يكون؟؟ وربما تلح عليه نفس الأسئلة، أيكون جاءنا مع ألف ليلة وليلة؟؟، أيكون قد ولد في سوق عكاظ؟؟، و ربما في سوق صُحار أو المربد؟!، وربما وجدتَه في طبقات ابن سلام الجمحي، وربما ولد من ألف عام وها هو يستنسخ ويعيش أمامك.
لكنني أعجب من نفسي رغم سنوات اللقاء والتفاعل منذ عام 2004م وللآن فما زلت لا أعرفه، وهو المحب الوفي لأصدقائه، وهو الكريم المضيف للجميع، وهو الذي حلق في مسابقة شاعر العرب على فضائية المستقلة، وحلق أيضا في مسابقة أمير الشعراء، وما زال يحلق أمامنا، وهو يتقافز إلى الغيم ليأتينا بقصاصات من دفتر الغيم ينزل علينا هنا، وينبتُ شعرا، لكنني لا أعرف لماذا ثقب السفينة ولا أعرف من أي شيطان يستقي الشعر، ولا أملك مفاتيح العقاد التي ولج بها إلى شخصية أبي نواس...
حقيقة لا أعرفه ولا أعرف نفسي!، ولا أعرف من يكون ولا أعرف من أكون!، ولا أعلم حقيقة وجوده من عدمه ولا أعلم حقيقة وجودي من عدمي!، لهذا فهل أستطيع أن أسمي ما قرأت لكم شهادة إبداعية، أم هي اعترافات كاتم صوت، أم هي هلوسات ألوكها وأجترّها لعليَّ وإياكم نصل إلى عصارة السيليلوز المعقد شديد التركيب، وربما نحللها إلى ذرات السكر، فإن لم نفعل فسيفعل الكيميائيون، ويحللون النشأ من السيليلوز، ومن النشأ سيحللون السكر وفي ذرات السكر سيجدون حروف قصيدة للشاعر محمد تركي حجازي تساقط علينا قصاصات من دفتر الغيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأحد أغسطس 21, 2011 6:26 am
