الخلفية التاريخية
نشأت الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر في اوروبا متاثرة
بالقومية التي إجتاحت القارة، وكانت ركيزتها إستغلال رغبة اليهود للعودة الى صهيون منذ القدم وإستغلالها
لتزايد
العداء للسامية في اوروبا خاصةً في روسيا القيصرية
.يرجى الملاحظة بأن الحركة تطورت ايضا فى وقتٍ تزامن مع التوسع
الاستعمارالاوروبي
في آسيا وإفريقيا مما مكنها من إستغلال تنافس القوى الاستعمارية في الشرق الاوسط
لتحقيق أهدافها.
بسبب التقارب بين
القوى الاستعمارية والحركة الصهيونية، نظرت الحركات القومية في الشرق الاوسط نحو الحركة الصهيونية
بأنها إمتداد
للاستعمار الأوروبي. علاوة على ذلك، إدعاء الصهاينة بحقهم على
سيادة فلسطين بسب "روابطهم
التاريخية"، وتفاقم الهجرة اليهودية
لفلسطين وإقترانها بشراء الاراضي، كل هذا ادى لإنزعاج
شديد للسكان الاصليين في المناطق العثمانية التي تضم فلسطين. في
ذلك الوقت كانت نسبة اليهود السكانية قد إرتفعت
من 6% في عام 1880 إلى 10% بحلول 1914.
مع أن هذا التزايد كان ضئيلاً،
إلا أن مجاهرة الصهاينة بأهدافهم القومية كانت كافية لحمل الكثير من الزعماء المحليين للضغط
على الدولة العثمانية لحظر الهجرة اليهودية لفلسطين وتقييد بيع
الأراضي للصهاينة.
منذ 1891 قامت مجموعة من وجهاء المسلمين والنصارى بإرسال برقية
الى إستانبول حثت الحكومة العثمانية على منع الهجرة اليهودية وبيع الاراضي لليهود، ونتيجة لذلك صدر مرسوم
حكومي نص على التقليص الجذري لشراء الاراضي في سنجق (مقاطعة) القدس فى غضون العقد
القادم. وعندما قرر الكونغرس
الصهيوني في عام 1905 زيادة حجم الإستعمار في فلسطين، قامت الحكومة بتعليق
جميع عمليات نقل ملكية الاراضي لليهود في سنجقي القدس وبيروت.
بعد إنقلاب تركيا الفتاة ضد الحكومة العثمانية عام 1908، إستغل
الفلسطينيون تمثيلهم في البرلمان العثماني وصلتهم بالصحف المحلية للتعبير عن مطالبهم
ومخاوفهم من الحركة الصهيونية. عندما تفاوضت حكومة تركيا الفتاة مع المنظمة الصهيونية العالمية في 1912-1913 لشراء الاراضي الأميرية
(جفتلك) الموجودة في محافظة بيسان، كانت معارضة النواب الفلسطينيين صاخبة ولكن
كانت بلا جدوى حيث تم بيع الاراضي للمنظمة الصهيونية بسبب إاحتياج الحكومة التركية للاموال.
الحركة الصهيونية لم
تحاول إخماد مخاوف الفلسطينيين، إذ كان
تركيزها على
تشجيع هجرة اليهود الاوروبيين لفلسطين والتقليل من العقبات
أمامهم بأكبر قدر ممكن.
الجهد الوحيد
الذي حدث لمناقشة التطلعات الفلسطينية والصهيونية
كان في ربيع عام 1914 الذي
أظهر تناقض أهداف وطموحات الجانبين. فقد أراد الفلسطينيون من الصهاينة تقديم وثيقة
تنص على التالي:-
توضيح الطموحات السياسية للحركة الصهيونية.
المطالبة بفتح مدارس الحركة الصهيونية أمام الطلبة الفلسطينيين.
معرفة نوايا الحركة الصهيونية نحو تعلم
المهاجرين اليهود للغة العربية وإندماجهم مع
السكان المحليين.
رفضت الحركة الصهاينة كل هذه الاقتراحات.
الانتداب البريطاني
تحول الوضع السياسي في فلسطين بالكامل
بعد الإعلان
عن وعد بلفور في 2
نوفمبر 1917 ووصول القوات البريطانية لفلسطين، فوعد بلفور كان منعطف مهم لأنه
أعطى
الحركة الصهيونية الغطاء القانوني التي سعت لتحقيقه منذ تأسيسها.
بالرغم من ان الوعد نص: بان لا يتم تجاوز الحقوق المدنية والدينية للسكان الموجودين
في فلسطين من غير اليهودية، هذا النص لم
يقلق الصهاينة خاصةً وأن الوعد قد أشار فقط: للحقوق المدنية والدينية، وليس
للحقوق السياسية او الوطنية.
بعد إحتلال البريطان لفلسطين، قاموا بتوفير كافة الحمايات القانونية
والامنية والمالية اللازمة لتحقيق أهداف الحركة
الصهاينة.
غضون الحرب العالمية الاولى قدمت بريطانيا ثلاثة وعود متناقضة تخص مستقبل فلسطين
وهي كالتالي:-
إتفاقية سايكس -
بيكو لعام 1916 مع الحكومات الفرنسية والروسية
التي إقترحت ان تكون فلسطين تحت الادارة الدولية.
مراسلات الحسين -
مكماهون (التي حدثت ما بين اعوام 1915-1916) ومن مضمونها ان تكون فلسطين في المنطقة العربية المستقلة مقابل ثورة
العرب ضد الحكم العثماني.
على النقيض من ذلك، وعد بلفور بتحويل فلسطين لوطن قومي لليهود
تحت الحماية البريطانية.
اعترف المسؤولون البريطانيون بتناقض هذه التعهدات لكنهم كانوا يأملون
بتوافق كل الاطراف، سواءاً بين الدول الامبريالية
المتنافسة "فرنسا
وبريطانيا"، او فيما بين الفلسطينيين والصهاينة. بدلاً من التوافق كانت النتيجة
على العكس تماماً، فهذه التناقضات مهدت لثلاثة عقود من الاحتلال البريطاني لفلسطين مليئة
بالصراعات الحادة.
في البداية العديد من السياسيين البريطانيين شاطروا الحركة الصهيونية الرأي
بالإفتراض ان تدريجية وتنظيم الهجرة اليهودية لفلسطين ستؤدي لأغلبية يهودية
مع مرور الوقت، ومن ثم تصبح فلسطين دولة يهودية مستقلة مع
توفيرحماية قانونية للاقلية العربية.
الإفتراض بأن هذا المشروع ممكن تحقيقه دون أي
مقاومة جدية من قبل الشعب الفلسطيني تبدد
بسرعة في بداية الأحتلال البريطاني،
ووجدت بريطانيا بأن تواجدها في فلسطين
أصبح هامشي بصورة متزايدة.
فبريطانيا كانت غير قادرة على إقناع الفلسطينين او الصهاينة
بتغير مطالبهم مما أجبرها
على نشر قوة عسكرية كبيرة للحفاظ على
الأمن.
عندما تفكك الحكم العثماني إفترض الفلسطينيون حصولهم على إما الاستقلال او الاندماج مع الدول العربية
المجاورة. هذه الآمال تعززت بإنطلاق الثورة العربية ضد الحكم التركي،
ودخول فيصل إبن
الحسين لدمشق في عام 1918 وإعلانه لإستقلال الجمهورية السورية في عام 1920. لكن سريعاً
خابت آمالهم عندما فرضت بريطانيا الاستعمار المباشر وعززت من مركز الصهاينة في
فلسطين. علاوة على ذلك عزل الفرنسيين لفيصل من دمشق فى يوليو 1920، ومنح
البريطانيين السلطة الشكلية في شرق الأردن لعبد اللة إبن الحسين وفي
العراق
لفيصل إبن الحسين لم ينعكس ايجابيا على الشعب فلسطيني. هذه الهواجس تفاقمت بسبب
الهجرة اليهودية التي زادت نسبة اليهود في فلسطين الى 28 فى المائة من السكان بحلول
عام 1936 ووصلت الى 32 فى المائة بحلول عام 1947
(انقر هنا لرؤية خارطة تبين
التوزيع السكاني في فلسطين قبل النكبة). المظلة القانونية والعسكرية
والمالية التي وفرها الاحتلال البريطاني للحركة الصهيونية كانت حاسمةً لنمو وتعزيز
التواجد الصهيوني على الرغم من المعارضة الفلسطينية. حتى عندما قل التأييد
البريطاني للحركة الصهيونية في أواخر الثلاثينات، كان التواجد الصهيوني
منذ ذلك الوقت قوي لدرجة يمكنة بالفوزعلى
الفلسطينيين. بعد الحرب العالمية الثانية نجحت الحركة الصهيونية بتوفير الدعم
السياسي والعسكري والمالي من الدولة العظمى الناشئة: الولايات المتحدة.
كانت ردود فعل الشعب الفلسطيني تجاه الهجرة اليهودية وشراء الأراضي والمطالب
الصهيونية السياسية منتظماً ومتطابقا بشكل ملحوظ منذ البداية، وأصروا على أن تبقى فلسطين دولة عربية لها نفس الحق في تقرير المصير
والاستقلال كدول شرق الاردن، مصر
والعراق. بريطانيا منحت هذة
البلدان الاستقلال بدون تصادم عنيف ولم يعترض عليه المستوطنين الأوروبيين.
فالفلسطينيين قالوا أن فلسطين لا يمكن ولا ينبغي ان تستخدم لحل
مشكلة اليهود في
اوروبا، وان التطلعات الوطنية اليهودية لا ينبغي أن تلغي حقوقهم.
إشتدت ذروة المعارضة الفلسطينية للإحتلال البريطاني والطموحات الصهيونية في أواخر
الثلاثينات إبتداءاً بإضراب عام 1936 (الذي إستمر لستة اشهر) والذي تبعته ثورة 36
التي شملت مناطق واسعة في المناطق القروية.
لقد شملت هذه الثورة كل فئات الشعب الفلسطيني من أعلاه لأسفله، فمنهم كان العاطلين
عن العمل في المدن من المشردين الفلاحين، والقرويين المثقلين بالضرائب وحتى معظم
التجار والمهنيين في المدن الذين كانوا يخشون المنافسة الصهيونية. قام أعضاء من العائلات
المميزة (النخبة) بالتحدث مع إدارة الاحتلال البريطاني من خلال الهيئة العربية
العليا، التي شُكلت عام 1936 أثناء الاضراب العام. لكن عشية الثورة قام الاحتلال
البريطاني بحل هذو الهيئة في تشرين الاول 1937 وأعتقل وطارد أعضاؤها.
كان
هنالك حزب سياسي فلسطيني واحد عنده الاستعداد للحد من أهدافه والقبول بمبدأ تقسيم
فلسطين لدولتين وهو حزب الدفاع الوطني برئاسة راغب النشاشيبي (رئيس بلدية القدس من 1920
الى 1934) الذي قبل بمبدأ التقسيم عام 1937 ما دام ان يحصل الشعب الفلسطيني على اراض
كافية تُدمج مع شرق الاردن في دولة كنفيدرالية. لكن المفوضية الملكية برئاسة بيل
اوصت في تموز 1937 بإقتلاع الفلسطينين المقيمين في أخصب الاراضي الفلسطينية
الموجودة في الجليل الاعلى والاسفل وكل السهل الساحلي حتى مدينة يافا ومن ضمنها
ميناءي حيفا وعكا. كان ذلك يعد خسارة كبيرة جدا حتى بالنسبة لحزب الدفاع فإنضم مع باقي
الاحزاب برفضهم التقسيم.
لقد كان 70 فى المائة من المجتمع الفلسطيني خلال فترة الاحتلال
البريطاني من سكان القرى و 75 الى 80 فى المائة من المجتمع كانوا من الاميين ومنقسمين
داخلياً بين المدينين والقرويين، وبين اُسر
النخبة واُسر القرويين. برغم
التأييد الواسع لتحقيق الاهداف
القومية لم يستطع الفلسطينيون من تحقيق الوحدة
والقوة اللازمة لتحمل الضغوطات المشتركة من قوات الاحتلال البريطاني والحركة
الصهيونية. في الواقع فإن الهيكل السياسي للشعب الفلسطيني إنهار بالكامل في اواخر
الثلاثينيات بسبب قمع الاحتلال البريطاني للشعب الفلسطيني، وحلّه
للهيئة العربية
العليا وإعتقاله للمئات من السياسيين الفلسطينيين. هذا الإنهيار أدى لجهود في
الاربعينات من قبل الحكام العرب لإعادة بناء الهيكل السياسي الفلسطيني
وذلك لقلقهم
إزاء تدهورالأوضاع في فلسطين وعواقب الإنهيار السياسي لشعبها.
اعطى
الحكام العرب الأولوية لحماية مصالحهم الوطنية وإما عن دعمهم للفلسطينين في
المجالات الدبلوماسية والعسكرية
فقد كان محدوداً.
لعدة عقود إستمر الشعب العربي الفلسطيني بالمطالبة بدولة تعكس الاغلبية العربية في
فلسطين التي تناقصت الى 68 فى المائة بحلول عام 1947. لذلك رفضت غالبية الفلسطينين
قرار التقسيم الصادر من الأمم المتحدة في نوفمبر 1947 (انقر
هنا لخارطة توضيحية) الذي منح الدولة اليهودية 55 ٪ من مساحة فلسطين التي شملت
فلسطينيون تعدادهم مساوي لتعداد لليهود. ومع ذلك فإن الشعب الفلسطينيي إفتقر
للقوة السياسية والقوة العسكرية لدعم مطالبهم.
عندما سحبت بريطانيا قواتها فى
15 أيار1948 وأعلان الصهاينة دولة اسرائيل،
تدخل الحكام العرب
عسكريا لحماية تلك
المناطق التي
خصصت للدولة العربية
(انقر هنا لرؤية
خارطة توضيحية).
عندما إنتهت حرب 1948 وبعد توقيع اتفاقات
الهدنة 1949، تقلصت المنطقة العربية الى 23 فى المائة فقط من فلسطين
بحيث سيطر الجيش المصري على قطاع غزة وجيش شرق الاردن على تلال وسط فلسطين
(او ما يعرف الأن بالضفة الغربية). بحد
ادنى هُجر 726,000 فلسطيني من المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، وبعد الحرب ضم
الامير عبد الله المناطق التي إحتلها جيش شرق الاردن والتي سميت فيما بعد بالضفة
الغربية.
الحركة الصهيونية
تشريد وطرد غالبية الفلسطينيين كانت نتيجة لسياسات المخطط
الصهيوني لاكثر من ثلاثين سنة. في صُلب سياسة الحركة الصهيونية
ركزت على إثنتين من أهدافها:
تحقيق أغلبية يهودية في فلسطين
وإكتساب الدولة
اليهودية
وأرادت تحقيقهم بغض النظر عن رغبات السكان الأصليين.
هنا يرجى الملاحظة بأن مفتاح سياسة الحركة الصهيونية كان ولايزال عدم الاعتراف بالحقوق السياسية
والوطنية للشعب
الفلسطيني.
حاييم وايتزمان، رئيس
المنظمة الصهيونية العالمية، قدم أقصى المطالب لمؤتمر السلام
في باريس في شباط 1919، وذكر أنه يتوقع
قدوم 70,000-80,000
مهاجر يهودي سنوياً الى
فلسطين، وعندما يصبح اليهود
أغلبية، فإنهم سيقومون بتشكيل حكومة مستقلة وفلسطين سوف تصبح : "يهودية
لليهود كما هي إنكلترا إنجليزية للانجليز".
قدم
وايزمان حدود الدولة المطلوبة
كالتالي: البحر المتوسط غرباً؛ صيدا ونهر الليطاني وجبل حرمون
شمالاً؛ جميع شرق الاردن
غربي خط الحجاز الحديدي شرقاً ؛ والخط من العقبة عبر
سيناء الى العريش جنوباً. قائلاً :
"الحدود المبينة أعلاه هي التي نعتبرها
ضرورية للمقومات الاقتصادية للبلد. يجب ان
يكون لفلسطين منافذ للبحر وسيادة وسيطرة على الأنهار ومنابعها. الحدود المبينة
أخذت
في عين الاعتبارالأحتياجات
الاقتصادية العامة والروابط التاريخية [للشعب اليهودي] في البلد."
وعرض وايزمان على
الدول العربية منطقة حرة للتجارة
في
حيفا وميناء مشترك في العقبة.
الطلبات التي قدمها
وايزمان لمؤتمر السلام كانت مطابقة لمطالب القادة الصهاينة التي تم الاتفاق عليها
مسبقاً
في مؤتمرهم الذي عُقد في كانون الاول 1918. من مطالبهم ايضا التحكم في
كل التعيينات الإدارية وطالبوا الانتداب البريطاني على مساعدتهم لتحويل فلسطين الى دولة
يهودية ديمقراطية تضمن فيها للعرب الحقوق المدنية للاقليات. على الرغم من
ان مؤتمر السلام لم يخصص كل هذه الأراضي الشاسعة للوطن القومي اليهودي
ولم يدعم هدف تحويل كل فلسطين الى دولة يهودية، لكنه لم يغلق الباب أمام هذا الاحتمال.
والأهم من ذلك عرض
وايزمان تضمن بكل وضوح وبكل قوة الأهداف الاستراتيجية للحركة الصهيونية.
هذه
الأهداف تستند الى بعض المبادئ الاساسية التالية للحركة الصهيونية:
الحركة الصهيونية ليس فقط حركة عادلة، بل هي ايضاً
حركة تلبي حاجة ملحة لليهود المُطهدين في أوروبا.
الحضارة
الاوروبية أرقى من الحضارة العربية، وفي هذا المجال من الممكن أن تساهم الحركة الصهيونية في تهذيب
الشرقيين.
الدعم
الخارجي ضروري جدا لنجاح الحركةً خاصةً من دولة عظمى وأما عن العلاقات مع العالم العربي
فهي ثانوية.
القومية
العربية هي حركة سياسية مشروعة، ولكن القومية الفلسطينية إما منعدمة او إذا
كانت موجودة فهي غير
شرعية.
واخيراً اذا لم يرضخ الفلسطينيون لمطالب الحركة الصهيونية،
فالرد الوحيد أمام الحركة هو إستعمال القوة القاهرة لإجبارهم على الرضوخ لإرادة الحركة.
أولا
مُعتنقي الفكرة
الصهيونية يروا ان اليهود شعب أصيل لهم حق كامل غير قابل للتصرف في كل فلسطين مستندين
لذلك لإشارة
التوراة (او العهد القديم) لفلسطين بأنها ارض الميعاد المخصصة لقبائل بني اسرائيل. اما
الصهاينة العلمانيين إعتمد أكثرهم على الحجة القائلة ان فلسطين وحدها هي التي تستطيع حل مشكلة
التشتت اليهودي وشراسة معاداة الاوروبيين للسامية. في هذا السياق أشار وايزمان في عام 1930 ان
إحتياجات 16
ملايين يهودي أكبر من إحتياجات مليون من العرب الفلسطينيين:
"وعد بلفور والانتداب البريطاني حتما فصلوا فلسطين من الشرق الأوسط، وربطوها
بمشكلة اليهود في كل أنحاء العالم ... حقوق الشعب اليهودي في فلسطين لا يمكن ان
تتوقف
على رغبة ولا حتى على إرادة الأغلبية السكانية الموجودة في فلسطين في الوقت الحالي."
هذا الرأي كان أكثر تشدداً في الحركة الصهيونية التصحيحية (او
التنقيحية)
بقيادة
جابوتينسكي
حيث انها بررت أي عمل ضد العرب من اجل تحقيق الاهداف الصهيونية.
ثانيا
بشكل عام يشعر الصهاينة بأن
الحضارة الاوروبية أرقى من الحضارة والثقافة العربية.
ثيودور هيرتزل (مؤسس المنظمة الصهيونية العالمية) ذكر في كتابه "الدولة العبرية" أن
المجتمع اليهودي ممكن إستخدامه:
"كجزء من خط الدفاع عن أوروبا في آسيا، وكإمتداداً للحضارة ضد
البربرية".
وايزمان ايضا إعتقد
انهم يخوضن معركة الحضارة ضد الصحراء. برأيه الصهيونية ستجلب الإزدهار والتنمية الاقتصادية
للعرب الغير متحضرين. وبالمثل ديفيد بن
غوريون (القيادي العمالي الصهيوني) لم يستوعب لماذا يرفض العرب إستخدام المال اليهودي،
والمعرفة العلمية والخبرة التقنية لتحديث الشرق الاوسط. وعزا
هذا الرفض الى التخلف العرب بدلا من الاشارة الى ان الصهيونية تشكل إهانة للكرامة العربية
وتطلعاتهم الوطنية.
ثالثا
اعترف القادة
الصهاينة بحاجتهم لدعم خارجي لإعطائهم المظلة الشرعية في الساحة الدولية والتي
ستساعدهم بتوفير الحماية القانونية والعسكرية في فلسطين. بريطانيا العظمى لعبت هذا الدور في العشرينات
والثلاثينات من القرن الماضي، وإصبحت الولايات المتحدة الحليف الحميم للحركة منذ منتصف
الاربعينات. أدرك القادة الصهاينة انهم بحاجة لتغيرات تكتيكية مع الاستمرار في العمل من اجل تحقيق اهدافها
طويلة الأجل، على سبيل المثال التقليل من تطلعاتهم السياسية من خلال تصريحاتهم العلنية او
حتى المطالبة علنياً بالقبول
بدولة محدودة الاقليم بشكل مؤقت، اما بالنسبة للتواجد الفلسطيني ومتطلباته الوطنية
فكانت تعتبرثانوية.
القيادة الصهيونية لم تحاول على الإطلاق التحالف مع العالم العربي ضد
البريطانيين والاميركيين. على العكس تماما، كان وايزمان على
وجه الخصوص يرى انه يجب على الصهاينة دعم الامبراطورية البريطانية وحماية مصالحها
الاستراتيجية في المنطقة. فيما بعد تطلع القادة الأسرائيلين للدولة
اليهودية بأنها رصيداً استراتيجياً للولايات المتحدة في الشرق الاوسط.
رابعا
القياديون الصهاينة قبلوا فكرة الأمة العربية ولكنهم رفضوا مفهوم الامة الفلسطينية،
واعتبروا السكان
العرب المقيمين في فلسطين ما هم إلا جزء بسيط من العالم العربي. علاوة على ذلك
لايزال الكثير من الصهاينة ينظرون للشعب الفلسطيني بأنه شعب
يفتقر لأي هوية مستقلة وأي تطلعات وطنية مشروعة
(انقر هنا ، لقراءة ردنا على هذه الخرافة الصهيونية).
وايزمان وبن غوريون كان لديهم الأستعداد للتفاوض مع الحكام العرب من أجل كسب
إعترافهم بدولة يهودية في فلسطين مقابل إعتراف الصهاينة بإستقلال العرب في أماكن
اخرى، ولكن الصهاينة رفضوا التفاوض بأي شكل مع السياسيين فلسطينيين من أجل
التوصل الى تسوية سياسية في وطنهم المشترك. في هذا السياق كتب وايزمان إلى
سياسي بريطاني بارز عام 1918:
"الحركة الوطنية العربية في تطوير بشكل جدي في دمشق ومكة... وأما عن المسألة العربية في فلسطين
فإنها ستأخذ طابعاً محلياً، وفي الواقع
لا يمكن التعامل معهم بشكل جدي."
وتمشياً مع هذا التفكير قابل وايزمان الأمير فيصل إبن الحسين في السنة نفسها في محاولة لكسب موافقته على
إقامة دولة
يهودية في فلسطين مقابل الدعم المالي والسياسي الصهيوني لتوليه الحكم في سوريا الكبرى والحجاز.
بن
غوريون ، وايزمان ، وغيرهم من القادة الصهاينة اجتمعوا مع كبار القادة المسؤولين العرب خلال
عام 1939 وخلال مؤتمر لندن الذي عقدته بريطانيا لتسوية الصراع في فلسطين.
إنتقد الدبلوماسيون العرب من مصر والعراق والسعودية وعد
بلفور الذي منح فلسطين للطائفة اليهودية وأكدوا أن السبب الرئيسي وراء التباعد بين العرب واليهود
هو تزايد الهجرة
اليهودية. وردا على ذلك، اصر وايزمان ان فلسطين يجب ان تبقى مفتوحة لجميع اليهود الراغبين في الهجرة
لها، واقترح بن غوريون انه يجب ان تصبح كل فلسطين دولة يهودية يربطها إتحاد فدرالي مع الدول العربية المجاورة. رفض
المشاركون العرب هذه المطالب لأنها ستزيد من تفاقم الصراع بدلاً من المساهمة في البحث عن
حل.
الفرضية الصهيونية بأن الحكام العرب سيتجاهلون حقوق الشعب الفلسطيني مقابل الدعم
الصهيوني المالي ولنيلهم الأستقلال كان خاطئاً.
خامسا
وأخيرا إستنتج القادة الصهاينة أنه اذا تعذرعلى الفلسطينيين القبول
بالأهداف الصهيونية، فإذاً الحل الوحيد أمامهم هو إستخدام القوة لإجبار الفلسطينيين
على الرضوخ للأهداف الصهيونية. وبحلول اوائل
العشرينات، وبعد الأحتجاجات الفلسطينية ضد تزايد الهجرة اليهودية لفلسطين في يافا والقدس،
إستنتج القادة الصهاينة بأنه قد يكون من المستحيل سد الفجوة بين اهداف الشعبين. بناء الوطن القومي
حتما سوف يؤدي لتصادم لأن الأغلبية العربية لن توافق على ان يصبحوا أقلية. والواقع
انه منذ عام 1919 قال
بن غوريون بكل صراحة ووضوح:
"الكل يرى صعوبة العلاقات بين العرب واليهود. ولكن ليس الجميع
يرى انه لا يوجد حل لهذه المسألة. لا يوجد حل!!! يوجد فجوة بين الطرفين ولا شيء يمكن سد هذة
الفجوة... أنا لا أعرف أي عربي يوافق على ان تكون فلسطين لليهود... إننا
كأمة نريد هذا البلد لتكون فيها دولتنا اليهودية؛ والعرب كأمة يريدون هذا البلد لتكون لهم."
عندما زادت التوترات في العشرينات والثلاثينات أدرك القادة الصهاينة
أنه يجب إجبار الفلسطينيين على الرضوخ للأهداف الصهيونية. صرح بن غوريون في عام
1937 اثناء ثورة 36:
"هذه الحرب التي تشن ضدنا دوافعها وطنية ... المقاومة
الفلسطينيين تشن ضدنا لأنهم يعتبرون اليهود مُغتصبين لوطنهم ... القتال ما هو
إلا جانب فرعي
من جوانب الصراع، ولاكن جوهر الصراع أهداف سياسية. من الجهة السياسية نحن المعتدون وهم
المدافعون."
هذا الاستنتاج هو السبب الرئيسي الذي دفع بن غوريون بعيداً عن التفاوض مع الفلسطينيين
العرب. على العكس تماماً، أصبح اكثر تصميماً على تعزيز القوات العسكرية اليهودية حتى تتمكن
على إجبار الفلسطينيين على التخلي عن مطالبهم الوطنية.
الصهيونية العملية
من أجل تحقيق أهداف الصهيونية وإقامة الوطن القومي اليهودي،
تعهدت الحركة الصهيونية الخطوات العملية التالية:
1. بناء الهياكل السياسية التي سيمكنها من تولي مهام الدولة في
المستقبل.
2. أنشاء قوة عسكرية.
3. تشجيع الهجرة اليهودية.
4. إكتساب أكبر كمية ممكنة من الأراضي في فلسطين وتحويلها لممتلكات غير
قابلة للتصرف (او كوقف) للشعب اليهودي.
5. انشاء الامتيازات الاحتكارية. إتحاد العمالي الصهيوني
(الهستدروت) ضغط بقوة على الشركات اليهودية لتوظيف العمال اليهود فقط.
6. إنشاء هيئة مستقلة لتعليم اللغة العبرية وترسيخها في
المدارس والمؤسسات الحكومية.
هذه الخطوات العملية خلقت نظاماً قائما بذاته على أرض فلسطين
منفصلاً بشكل كامل عن المجتمع العربي.
أسس الصهاينة مجالس محلية منتخبة، أجهزة تنفيذية، هيئات إدارية ومحاكم
دينية فوراً بعد تولي البريطانيين السلطة على فلسطين. عندما صادقت عصبة الأمم على
الأنتداب البريطاني في فلسطين عام 1922، إكتسبت المنظمة الصهيونية العالمية مسؤولية
تقديم المشورة والتعاون مع الادارة البريطانية وهذا لم يكن فقط في المسائل الاقتصادية
والاجتماعية التي تؤثر على الوطن القومي اليهودي، ولكن ايضا في القضايا التي تتعلق
بالتطوير العام للبلد. على الرغم من الضغوطات التي تعرضت لها الحكومة البريطانية
رفضت إعطاء المنظمة الصهيونية العالمية حصة متساوية فى إدارة ومراقبة الهجرة ونقل
ملكية الاراضي للحركة الصهيونية، إلا أن الصهاينة إكتسبوا إمتيازات كإستشاريين في
آلية أخذ القرارات.
لقد إنتقد الصهاينة بشدة الجهود البريطانية لإنشاء المجلس
التشريعي الفلسطيني في 1923، 1930، و 1936. وأدركوا أن مطالبت الفلسطينيين للمجلس
التشريعي الفلسطيني ستجعلهم في موقف ضعيف لأن الفلسطينيين أغلبية ولذلك
طالبوا بتأجيل تكوين الهيئات التمثيلية لوقت يكون المجتمع اليهودي أكبر. رفض اليهود
المشاركة في إنتخابات المجلس التشريعي في عام 1923 ولكنهم اُنقذوا عندما قاطع
الأنتخبات
الفلسطينيون مما أجبر البريطان على إلغاء النتائج. عارضت المنظمة
الصهيونية العالمية بشدة في عامي 1930 و 1936 المقترحات البريطانية لإجراء
الأنتخبات التشريعية خشية فوزالفلسطينيون وذلك لأنهم سيقوضون الهجرة اليهودية وشراء
الاراضي. إستمرت
المعارضة الصهيونية في هذا المجال مستخدمة العذر بأن فلسطين ليست ناضجة للحكم
الذاتي وذلك لإكتساب الوقت حتى أن يصبح اليهودي اغلبية في فلسطين.
لمساندة هذا المواقف شكلت الحركة الصهيونية قوة عسكرية
(هاغانا) في اذار1920. وقد سبق الهاغانا إنشاء ميليشيا يهودية تدعى الحراس
(هاشومير) في المستوطنات الصهيونية في القرن العشرين وتشكيل الفيلق اليهودي غضون
الحرب العالمية الاولى، ولكن الأحتلال البريطاني حلّ الفيلق وسمح بتواجد مستودعات
للأسلحة فى المستوطنات اليهودية لكنها كانت مختومة، وفي المناطق
اليهودية - البريطانية المختلطة تم تشكيل لجان للدفاع المشترك. يرجى الملاحظة بأن
إمتلاك الفلسطينيين للسلاح غضون فترة الأحتلال البريطاني كان ممنوعاً والكثير سجن
بسب ذلك.
بالرغم من وضع الهاغانا الغير القانون أصبح عدد قواتها عام 1936
10,000 جندي مدرب وفي الاحتياط كان هنالك 40,000 جندي. خلال ثورة 36 شاركت
الهاغانا الأحتلال البريطاني ضد الثوار الفلسطينيين، وتعاونت مع الأحتلال
في حراسة خطوط سكك الحديدية وخطوط انابيب النفط الأتية من العراق الى حيفا وحراسة المناطق
الحدودية. تعمق هذا التعاون أثناء الحرب العالمية الثانية عندما إنخرط 18,800 يهودي
في الجيش البريطاني، وهذا أعطا الهاغانا التجارب والخبرة الازمة لتحيولها لقوة
عسكرية فعالة. عندما اصبح بن غوريون وزير دفاع المنظمة الصهيونية العالمية (الى
جانب رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية) في حزيران 1947 سارع في إعلان التعبئة العامة للهاجانا وبشراء
الاسلحة من الولايات المتحدة واوروبا. نتيجة لذلك قفزت قوة الهاغانا الى 30,000
جندي بحلول ايار 1948 ومن ثم تضاعفت قوتها الى 60,000 بحلول منتصف يوليو التي كانت
ضعف تعداد الجيوش العربية المتواجدة في فلسطين في ذلك الوقت.
كانت احدى الوسائل الرئيسية لبناء الوطن القومي تشجيع الهجرة
اليهودية من اوروبا لفلسطين. إحصاءات السكان في فلسطين اثبتت التأثير الكبير للهجرة
اليهودية.
اول إحصاء بريطاني للسكان كان (31 ديسمبر 1922) 757,182 نسمة منهم 83,794 يهودي، وثاني
إحصاء (31 كانون الأول 1931) 1,035,821 نسمة كان منهم 174,006 يهودي. وهكذا
فإن السكان من اليهود كانوا بتزايد فنسبتهم زادت من 11 في المئة الى 17 في المئة.
يرجى الملاحظة بأن ثلثا هذه الزيادة كان سببها الهجرة، والثلث الآخر كان نتيجة الزيادة الطبيعية. أما بالنسبة للتواجد
اليهودي فالثلثين تركيزهم كان في القدس ويافا وتل ابيب، والباقي معظم تركيزهم في الشمال
بما في ذلك مدينة حيفا، وصفد، وطبرية.
في بداية الأنتداب إشترط الأحتلال البريطاني أن تحدد الهجرة اليهودية بطريقة تتفق مع القدرات
الاقتصادية للبلد لإستيعاب المهاجرين. لكن في عام 1931 أعلن الأحتلال البريطاني إعادة تفسير
هذا القانون وربطه بقدرات القطاع الأقتصادي اليهودي على إستيعاب المهاجرين باستثناء
القطاع الفلسطيني الذي كان يعاني من البطالة الشديدة. نتيجة لذلك تسارعت وتيرة
الهجرة في عام 1932 وبلغة ذروتها في 1935-1936. بعبارة اخرى، إن تعداد السكان من اليهود
تضاعف غضون خمس سنوات (1931 - 1936) الى 370,000 يهودي بحيث أصبحوا يشكلون 28 ٪
من مجموع السكان. سياسة الأحتلال البريطاني لم تتغير حتى عام 1939 ومن ثم تم تحديد حصة
المهاجرين اليهود تلبيةً للضغوطات العربية ومطالب ثورة 36. قاومت الحركة الصهيونية
هذه القيود بشدة حتى لحالة اليأس، إذ أن هذه القيود أغلقت أهم المخارج الرئيسية
امام اليهود المضطهدين في المانيا وبقية اوروبا إبان الاحتلال النازي. يرجى
الملاحظة بأن الولايات المتحدة وبريطانيا وبلدان أمريكا الجنوبية وضعوا قيود مشابهة
أمام الاجئين اليهود وفي ذلك الوقت كانت فلسطين أكبر من إستوعب الاجئين اليهود. خلال
سنوات الحرب في الاربعينات كانت الهجرة محدودة، ولكن بعد إحصاء
الأنتداب للسكان في عام 1946 ووجدوا هنالك حوالى 583,000 من اليهود من إجمال 1,888,000 نسمة، او
ما يعادل 31 فى
المائة كانوا من اليهود. يرجى الملاحظة بأن سبعين فى المائة من الصهاينة يسكنون
المدن المخصصة
لليهود فقط، والاغلبية تركزوا في القدس (100,000)، حيفا (119,000)، والمناطق المحيطة
ليافا والرملة (327,000)، والباقي كانوا في الجليل مع تناثر قليل في النقب ويكاد لا
يوجد تواجد لهم في المرتفعات الوسطى (الضفة الغربية). (انقر
هنا لرؤية خارطة توضحية لتوزيع السكان في فلسطين عام 1946).
لقد قامت المنظمة الصهيونية العالمية بشن حملة واسعة النطاق
لشراء أكبر كمية ممكنة من الاراضي من اجل تأسيس المستوطنات الريفية وترسيخ مطالبهم
الاقليمية. في عام 1920 ملك الصهاينة 650,000 دونم وفي عام 1930 توسعوا الى 1,164,000
دونم وفي عام 1936 زادت ملكيتهم للأراضي الى 1,400,000 دونم. بحلول عام 1936 يُقدر ان
أكبر مالك للأراضي الصهيونية في فلسطين (وهي شركة تنمية الاراضي الفلسطينية) قد
إشترت
89 ٪ من نسبة الأراضي من إقطاعيين معظمهم غائبين من بيروت وتم شراء فقط 11 ٪ من الفلاحين
الفلسطينيين، وفي عام 1947، إمتلك الصهاينة 1,900,000 دونم. ومع ذلك، فهذا لا يمثل سوى 7 ٪ من
المساحة الاجمالية لفلسطين، او ما يعادل 10 الى 12 في المئة من إجمالي الاراضي الصالحة للزراعة
(انقر هنا خريطة توضح توزيع ملكية الأراضي في فلسطين في عام 1946).
ووفقا للمادة 3 من دستور الوكالة اليهودية، الأراضي التي يملكها
الصندوق القومي اليهودي هي ممتلكات وقف (غير قابلة للتصرف) لكافة الشعب اليهودي،
وإشترطت أن تكون القوى العاملة يهودية في المستوطنات والإستثمارات
الصهيونية. إحتج الفلسطينيون بحدة ضد هذا الشروط العنصرية وقدموا إلتماسات للأنتداب
البريطاني في عام 1935 للحد من بيع الاراضي للصهاينة لأن المسألة لهم أصبحت مسألة
حياة او موت لكل الشعب الفلسطيني
لأنه يوجد خطر كبير لتفريغ فلسطين من سكانها الأصليين
ونقلهم للبلدان المجاورة.
لقد كان إختيارالحركة الصهيونية لمواقع المستوطنات اليهودية
عادتاً يتم بناءاً على إعتبارات سياسية. كان هنالك أربع معايير لشراء الأراضي
وهي كالتالي:
1. يجب أن تكون ملائمة إقتصادية.
2. يجب أن يكون تواجدها مساهم في تشكيل كتلة قوية ومتواصلة مع
الأراضي اليهودية.
3. يجب أن لا تعزل المستوطنات عن باقي المستوطنات
الصهيونية.
4. شراء الأراضي يجب أن يساعد على
ترسيخ المطالب السياسية
والاقليمية للحركة الصهيونية.
فعلى سبيل المثال تم تشيد أبراج للمراقبة في المستوطنات عام 1937
وذلك لتأمين السيطرة على اجزاء رئيسية في البلد في حالة تطبيق توصيات لجنة بيل
البريطانية التي طالبت بتقسيم فلسطين لدولتين. وبالمثل شيدت أحد عشر مستوطنة
(اُقيمت على عجل) في
النقب فى اواخر عام 1946 لبسط نفوذها على الأراضي التي كانت مأهولة بالكامل
بالفلسطينيين.
بالاضافة الى شراء الأراضي، لقد أعطت الحكومة البريطانية
إحتكارات لرجال أعمال يهود بارزين مما أعطى الحركة الصهيونية دوراً مهماً فى تنمية
الموارد الطبيعية في فلسطين. فعلى سبيل المثال حصل بنهاس روتنبرج في عام 1921 على
إحتكار لتزويد كل فلسطين بالكهرباء بإستثناء مدينة القدس، وموشي نوفومييسكي حصل على
إمتياز فى عام 1927 لتطوير المعادن في البحر الميت، وشركة تطوير الأراضي الفلسطينية
الصهيونية حصلت في عام 1934 على إمتياز تجفيف بحيرة الحولة شمال بحيرة طبرية.
يرحى الملاحظة بأأنه في كل
حالة تم منح إمتياز فيها لليهود والحركة الصهيونية قام الفلسطينيون بتقديم عروض
مماثلة لكن الإحتلال البريطاني رفضها كلها؛ فكان السياسيون الفلسطينيون يقولون
ان على الحكومة ان تحتفظ بسلطتها في سبيل تنمية الموارد الطبيعية لصالح البلد
بأسره ولكافة مواطنيها.
يرجى الملاحظة بأن كل عقودات الصندوق القومي اليهودي إحتوت على بند يشترط بأن
تكون الأيدي العاملة يهودية في المستوطنات الزراعية والمصانع اليهودية،
ونفذت سياسة مطابقة من قبل الحركة العمالية الصهيونية (الهستدروت) التى تأسست فى عام
1920. إبتداءاً من عام 1933 قام الهستدروت بحملة إعلامية شرسة ضد الشركات
والمزارعين اليهود لإستخدامهم الأيدي العاملة الفلسطينية وطالبت بطردهم.
فعلى سبيل المثال تظاهر منظمي
الهستدروت بالقرب من بيارات الحمضيات ومواقع البناء والمصانع اليهودية في المدن
وذلك لطرد العمال الفلسطينيين
وإستبدالهم بعمال يهود. هذه الدعاية الصاخبة زادت من مخاوف الفلسطينين، وفي هذا
السياق قال جورج منصور(الزعيم العمالي الفلسطيني الحيفاوي) بغضب في عام 1937 :
"الهدف الاساسي للهستدروت هو 'الهيمنة على فرص
العمل'... فمهما كان
عدد العمال العرب العاطلين عن العمل، لا يحق لها اخذ وظيفة عامل عربي وإعطائها
لمهاجر يهودي حتى ولو كان مؤهل. العمال العرب لا يملكون حق العمل في المشاريع
اليهودية. "
وأخيرا، إنشاء نظام تعليمي خاص لليهود باللغة العبرية كان عنصراً
اساسياً لبناء الوطن القومي اليهودي، وهذا ساعد على خلق روح وطنية متماسكه ولغة
موحِدة للمهاجرين الذين قدموا من بلدان مختلفة. حتى في المدارس الحكومية فُصل الأطفال اليهود
عن الأطفال الفلسطينيين. نتيجة لهذه السياسة اللغوية اتساعت الهوة الثقافية بين
الشعبين. بالاضافة الى ذلك كان هناك تناقض صارخ في مستويات محو الامية. في عام 1931
:
93 ٪ من اليهود الذكور (فوق السن السابع) يجيدون
القراءة
والكتابة.
71 ٪ من النصارى الذكور يجيدون القراءة والكتابة.
25 ٪ فقط من المسلمين الذكور يجيدون القراءة والكتابة.
عموما كانت نسبة الفلسطينيين الذين يجيدون القراءة والكتابة 19
فى المائة فى عام 1931، وإرتفعت النسبة إلى 27 ٪ بحلول عام 1940، ولكن يرجى الملاحظة
أن الحد الأعلى لإستيعاب الطلاب الفلسطينيين في المدارس الحكومية والخاصة
كان 30 ٪ فقط،
ويرجع ذلك لقلة الميزانية المخصصة لوزارة التربية والتعليم.
السياسات العملية للحركة الصهيونية خلقت مجتمع جذوره في غاية
الترابط في اواخر الاربعينات. الصهاينة كان لهم نظاماً سياسياً
وتعليمياً واقتصادياً وعسكرياً منفصلاً وموازياً للأنظامة الحكومية. اليهود قللوا من
إتصالاتهم مع المجتمع العربي، وتفوقوا على العرب في بعض النواحي الأساسية. على
سبيل المثال اليهود في المدن تفوقوا بكثير على عدد الفلسطينيين في المدن مع أن
اليهود شكلوا ثلث السكان، وفاق تعداد الاطفال اليهود في المدارس عن تعداد الأطفال العرب،
والشركات اليهودية كانت توظف سبعة أضعاف العمال التي توظفهم الشركات العربية.
وهكذا فإن الوزن النسبي والاستقلال الذاتي الذي حققه الصهاينة
كان أكبر بكثير من مجرد إحصاءات. إنتقال الحركة الصهيونية
الى الدولة لم يكن فقط بفضل وجود
الأجهزة والمؤسسات، بل لوجود المجتمع المتعلم
ايضاً. هذه السياسة ساعدت
وسهلت الإنفصال عن الفلسطينيين.
السياسات تجاه الفلسطينيين
كانت سياسة الحركة الصهيونية الرئيسية تجاه الفلسطينيين بأن
مشكلتهم ستحل بعد حل المشكلة اليهودية، ومع مرورالوقت سيتعامل الفلسطينيون بواقع
تواجد الأغلبية اليهودية. فالمستوطنات وشراء الاراضي
والصناعات، والقوات
العسكرية تم إكتسابها تدريجيا وبصورة في غاية التنظيم بحيث أصبحت الحركة الصهيونية
قوة ليس من السهل إجتثاثها. في رسالة أرسلها وايزمان لابنة قارن الفلسطينيين فيها
بالصخوروالعقبات التي يجب إزالتها لتسوية الطريق. عندما شن الفلسطينيون احتجاجاتهم
العنيفة في 1920، 1921، 1929، و 1936-1939 وأواخر الأربعينات، سعت الحركة الصهيونية
الى كبح جماحهم بالقوة، بدلاً من السعي الى التوصل لحل سياسي مع السكان الاصليين. اي
تنازلات كانت الحكومة البريطانية تقدمها الى الفلسطينيين بشأن الهجرة
اليهودية وبيع الاراضي لهم كان
عادتاً
تقاوم بإحتجاجات صارمة من قبل قادة الحركة الصهيونية. في الواقع أعلن بن غوريون في عام 1936 ان
الفلسطينيين لن يرضخوا لإرادة الحركة الصهيونية إلا بعد وصولهم لحالة من اليأس التام.
ينظر الصهاينة نحو قبولهم لقرار التقسيم كإجراء مؤقت وإنهم لم
يتخلوا عن فكرة حقهم التاريخي بكامل فلسطين. في هذا السياق علق وايزمان في عام 1937
:
"في مجرى الزمن سنتوسع في كل بلد... هذا مجرد ترتيب ل 15-30
سنة مقبلة فقط".
وبن غوريون صرح في عام 1938 ،
"بعد ان نصبح قوة ، نتيجة لإنشاء الدولة، سنقوم بإلغاء
التقسيم والتوسع في كل فلسطين".
فالجهود التي بذلت لتقليص المعارضة الفلسطينية كانت قليلة.
فعلى سبيل المثال في العشرينات،
مولت المنظمات الصهيونية بعض الأحزاب السياسية الفلسطينية، والصحف والافراد، وهذا كان له أثر واضوح في إنشاء
ودعم الجمعبات الاسلامية الوطنية (1921-1923) والأحزاب الزراعية (1924-1926)،
على ان يكون لهم مواقف محايدة او إيجابية تجاه الحركة الصهيونية، ومقابل ذلك
يحصل أعضاء هذه الجمعيات والأحزاب العرب على إعانات
وقروض مالية وفرص عمل في
الشركات الصهيونية.
وايزمان دعم هذه السياسة قائلاً:
"المتطرفين والمعتدلين على حد سواء هم عرضة للنفوذ المالي"
كان ليونارد شتاين (هو عضو في المنظمة الصهيونية
العالمية في مكتب لندن) ضد هذه السياسة. كان رأيه انه يجب على الحركة الصهيونية ان تسعى
دائما للتعايش مع الفلسطينيين وتوظيفهم في الشركات اليهودية وقبولهم في الجامعات
اليهودية. وقال إن الأحزاب السياسية العربية المعتدلة ما هم إلا بمرددين للدعاية
الصهيونية وأنهم سينهارون بمجرد إنتهاء الدعم المالي لهم. وعلى أية حال، قامت
المنظمة الصهيونية العالمية بإنهاء هذة السياسة عام 1927 لأنها كانت تعاني من أزمة
مالية، كما ان معظم زعماء الحركة رأوا ان هذه السياسة لن تكون مجدية.
بعض القادة الصهاينة ساندوا فكرة مشاركة العرب في الجهود
العملية للحركة الصهيونية. كالفاريسكي هرتزوغ قال في عام
1923:
"يقول البعض... ان الطريق الوحيد للوصول لتفاهم المشترك مع العرب
هو العمل المشترك فى مجال التجارة ،الصناعة والزراعة... ولكن هذا ما هو إلا مجرد
فكرة نظرية.
عملياً لم نفعل شيئا في أي عمل مشترك.
كم عربياً وظفنا في مصارفنا؟ لا أحد.
كم عربي قبلنا في مدارسنا؟ لا أحد.
كم بيوت تجارية شاركنا فيها العرب؟ لا أحد."
بعد سنتين عبر كالفاريسكي عن أسفه قائلاً :
"اننا نعرف جميعا أهمية الأقتراب من العرب، ولكن في الحقيقة
اننا نزداد بعدا عنهم. لا يوجد لدينا إتصالات معهم: أننا كعالمين منفصلين، كلٌ
يعيش حياته ويقاتل الاخرى."
بعض أعضاء الحركة الصهيونية أكدوا على ضرورية إنشاء
علاقات سياسية جيدة مع العرب الفلسطينيين من أجل تحقيق سلام، وذلك اما
لأجل تقسيم
فلسطين (كما سعى له ناحوم جولدمان) أو لإنشاء دولة ثنائية القومية (كما إقتراح بريت شالوم
وحركة هاشومير هتزاير). لكن الذين ذهبوا أبعد من ذلك كانوا قلة
كالدكتور جودا ماغنيس (مؤسس الجامعة العبرية
وأول رئيس لها) الذي إعتبر بأن
مفهومه للصهيونية هو مجرد إنشاء مركز ثقافي
يهودي في فلسطين وليس إقامة دولة يهودية مستقلة. في اي حال، على
الأطار السياسي لم
يكن هنالك أي تأثير لمؤيدي الدولة الواحدة وبشكل عام تمت مقاومتهم بحدة في الحركة
الصهيونية.
رأى القادة الصهاينة انهم لا يضرون الفلسطينيون بحرمانهم من
العمل في المستوطنات والمصانع اليهودية او حتى تقويض مركزهم كأغلبية في البلد.
فبرأيهم الفلسطينيون يعتبرون أنفسهم جزء صغير من الأمة العربية الكبيرة؛ فمتطلباتهم
الإقتصادية والسياسية يمكن تلبيتها في المناطق العربية الأخرى ولكن ليس في فلسطين.
فأنه من الممكن نقلهم (او ترحيلهم) الى أماكن اخرى ومن
المكن أيضاً دمجهم مع دولة شرق الأردن اذا
رغبوا في الاستقلال السياسي. .
وأدى هذا التفكير لمفهوم النقل (او الترحيل)
السكاني (TRANSFER). إقترح وايزمان في عام
1930 ان مشاكل عدم كفاية الارضي في فلسطين وتشريد الفلاحين يمكن حلها
عن طريق نقل الفلسطينيين الى شرق الأردن والعراق. وحث الوكالة اليهودية لتقديم قرض
بمليون جنيه إسترليني لمساعدة نقل المزارعين الفلسطينيين لشرق الأردن. وقد نوقشت
هذه المسألة مطولاً في الوكالة اليهودية 1936-1937 في الفترة التي نوقشت فيها مسألة تقسيم
فلسطين لدولتين (بناءاً على توصيات لجنة بيل البريطانية). في
البداية اقترحت الأغلبية نقل طوعي للفلسطينيين من الدولة اليهودية، ولكن لاحقا
أدركوا أن الفلسطينيين لن يغادر طوعا. لذلك اصرالزعماء الكبار (مثل بن
غوريون) على النقل القصري للشعب الفلسطيني، وصوتت الوكالة اليهودية انه يجب على الحكومة
البريطانية ان تدفع تكاليف إزالة العرب الفلسطينيين من الاراضي المخصصة للدولة
اليهودية.
خلال فترة الأقتتال التي حدثت من 1947 الى 1949
ادت الى نقل سكاني اكبر بكثير
مما تم تصوره في عام 1937. فالمشكلة العربية حلت بتهجير معظم العرب الفلسطينيين، وهذا كان
تجسيداً لسياسة القوة القاهرة.
خاتمة
قد تحولت أرض وشعب فلسطين بالكامل خلال ثلاثين عاما من الحكم البريطاني.
ان الاستعمارالذي قامت به الحركة الصهيونية مكن الطائفة اليهودية من إقامة أنظمة
سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعسكرية منفصلة ومستقلة عمليا. بعبارة
اخرى شكلت الحركة الصهيونية دولة داخل الدولة القائمة في الوقت الذي شنت حملتها من
اجل الاستقلال. قدم الأحتلال البريطاني الأسس القانونية والحماية العسكرية لإقامة
جالية يهودية قوية ومستقلة قادرة على فرض إرادتها على السكان الأصلين. كانت اللجنة الملكية البريطانية (برئاسة بيل) فى
يوليو 1937 أول من إقترح إنشاء الدولة اليهودية، ومن ثم أقرتها الامم المتحدة في تشرين
الثاني 1947.
إندفاع الحركة لتكوينها الدولة اليهودية تجاهل تواجد الأغلبية الفلسطينية
وتطلعاتها الوطنية. بعض أعضاء الحركة الصهيونية أيدوا فكرة الدولة الواحدة ثنائية القومية،
لكن معظم قادة الحركة الصهاينة
رأوا أن تقسيم فلسطين هو الطريق
لتحقيق الدولة مع تقديم بعض الحقوق الوطنية للفلسطينيين. كانت فكرة نقل الفلسطينيين
الى الدول العربية المجاورة تعد أيضا بمثابة وسيلة لضمان تشكيل دولة تكون
أغلبيتها من اليهود. تطبيق هذه السياسة أدى لتشكيل دولة اسرائيلية على حساب تمزيق
المجتمع الفلسطيني وتعزيز العداء طويل الأمد مع العالم العربي.