جريدة الدستور - إعداد: جمال خليفة
الأردن الأرض المقدسة المباركة وأرض الرسالات السماوية ومحل لدعوات رسل الله تعالى على مر الزمان ، وقد وطئتها أقدام معظم الأنبياء والرسل فمنهم من عاش ومات ودفن فيها ، ومنهم من مر بها وترك من آثاره الشريفة الشيء الكثير ، وهي أرض مباركة أيضا كونها المسرح الذي شهد وجرت عليه الكثير من قصص القرآن الكريم.
ويعتبر الأردن بوابة الفتح الإسلامي لبلاد الشام ، حيث شهدت كفاح المؤمنين الأوائل قبل بعثة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم ) وبعدها حيث المراقد والمزارات لآلاف المؤمنين والسالكين في مرضاة الله لذا نجد على إمتداد الأرض الأردنية مواقع شهدت معارك قادها أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأُسـتشهد فيها عدد منهم رضي الله عنهم.
كذلك شهدت هذه المنطقة أمورا كثيرة مثل الدعوة العباسية والفاطمية والتحكيم وغيرها.
وقد ذكرنا في موضوع سابق عن مقامات الصحابة الكرام.. وها نحن اليوم نجول بين عدد من مقامات أنبياء الله (المؤمنين الأوائل) لبيانها لمحبي زيارة هذه الأماكن الجليلة:
ونبدأ بالشجرة التي استظل تحتها النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
لعل أول أرض وطئتها قدم الرسوم الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم خارج الجزيرة العربية هي أرض الأردن بصحبة عمه ابو طالب وهو لم يبلغ العاشرة من عمره الشريف في قافلة تجارية لقريش ، وفي منطقة الباقوعية (الصفاوي) التي تبعد عن عمان العاصمة 215كم ، حيث يقطن الراهب بحيرى. لاحظ هذا الراهب الجليل قافلة قريش وهي قادمة من الحجاز بأن سحابة تظل صبيا وشجرة انحنت وضمت أغصانها ليستفيء بها ، فدهش وحسب أنه هو النبي الذي بشر به الكتاب ، وما أن تحدث إليه ومع عمه أبي طالب وكشف عن ظهره الشريف ورأى خاتم النبوة بين كتفيه حتى أيقن أنه هو النبي أحمد ، المرتجى.
كما استظل الرسول الكريم مرة أخرى تحت هذه الشجرة المباركة عندما التقى بالراهب نستور وعمره الشريف لا يتجاوز 25 سنة وكان بتجارة لخديجة رضي الله عنها ، وكل ذلك قبل بعثته صلى الله عليه وسلم ، وقد شاءت العناية الإلهية أن تبقى هذه الشجرة بكل بهائها وجمالها خالدة عبر الزمان في عمق الصحراء الأردنية في أرض جرداء لا تملك مقومات الحياة كمعلم ديني وتاريخي وشاهد على ما حدث ، ولقد دلت الحفريات الآثارية على مرور الطريق الصحراوي القديم للقوافل التجارية الذي يربط الحجاز بالشام عند هذا المكان.
مقام النبي نوح عليه السلام
يقع مقام النبي نوح عليه السلام خارج الأسوار القديمة لمدينة الكرك ، والكرك مدينة تاريخية تقع على بعد 130 كم جنوب عمان العاصمة وعند ملتقى طرق قديمة ، عمر الكرك يزيد على 7750 سنة ، توالى على حكمها أمم كثيرة كالآراميين والموآبيين والآشوريين واليونان وكانت تدعى قير حارست وقرحى وصخرة الصحراء ، ويعتقد أن نوحا قد صنع سفينته في هذا الموقع ، والموقع عبارة عن غرفة مربعة تعلوها قبة جددت في العصر العثماني ، ومن القديم جدا اعتبر هذا الموقع مباركا ، وكانت سفوح التلال المحيطة بهذا الموقع تغطيها غابات كثيفة ذات أشجار عالية تصلح لصناعة السفن وبقايا هذه الغابات باقية لحد الآن ، والتنور الوارد ذكره في قصة نوح هو موقع لتلة وسط انشقاق أرضي عميق يختلف لونها عن لون الجبال المحيط بها خرج الماء منها ، وأعلى هذه التلة يدعى (خربة التنور) وهي على بعد 35كم عن الكرك ، وجدت عليها آثار قديمة جدا باقية لحد الآن.
مقام النبي هود عليه السلام
يقع مقام النبي هود عليه السلام بالقرب من جرش ، المدينة الرومانية الكاملة وعلى بعد 65كم من العاصمة عمان. والمقام عبارة عن غرفة تعلوها قبة وأمامها حوش جدد بناؤه من قبل الدوله العثمانية في القرن التاسع عشر ، بعث الله هودا إلى قبيلته (عاد) ، وهي من أقدم الأمم وجودا وآثارا في الأردن ، وهم أول من عبد الأصنام بعد الطوفان.
مساكن ثمود وقوم صالح عليه السلام
قبيلة ثمود هم قوم صالح عليه السلام ، بعثه الله لهم عندما جعلوا أصنامهم شركاء مع الله ، فأرسله الله عز وجل واعظا ومذكرا بنعم الله عليهم ، وكانوا قوما عربا. وصالح عليه السلام من أوسطهم نسبا ، فلما جحدوا آيات ربهم وعصوا ، أرسل الله لهم الناقة آية تفتنهم ، وكانت مساكنهم بالحجر. والحجر منطقة تضم شمال الحجاز وجنوب الأردن (مدينة البتراء ووادي رم وما جاورهما) قبل حكم الأنباط لها وبعد هلاك عاد الثانية على الأرجح.
مقام لوط عليه السلام
يقع مقام النبي لوط عليه السلام في الغور الصافي على بعد 60كم من الكرك ، وهو عبارة عن كهف على سفح جبل يطل على البحر الميت ، ولوط ابن أخ إبراهيم عليه السلام. تذكر كتب التفسير وقصص الأنبياء أنه جاء من العراق مع عمه إلى بلاد الشام ثم انفصل عنه ليختار الإقامة في الأردن ( سدوم وعموره وأدمه وصوغر) للدعوة لله في هذه المدن ، وكان أهلها ذوو اخلاق رديئة ويمارسون الفاحشة في نواديهم ويقطعون السبيل ، وقد ابتدعوا المنكرات ما لم يسبقهم اليه أحد من خلق الله ، فلم يستجيبوا لدعوة لوط ونصحه وهددوه بالرجم ، فبعث الله تعالى ملائكة للوط بأن أخرج وأهلك إلا امرأتك فهي من الغابرين ، فأمطر الله عليهم حجارة من سجيل وقلبت ديارهم. والبحر الميت كان يعرف ببحر لوط ولم يكن على هذه الصورة بل نتج عن زلزال ضرب هذه البلاد فجعل عاليها سافلها ، وصارت أخفض منطقة في العالم ( 804 امتار تحت سطح البحر). وقد لجأ لوط وأهله إلى هذا الكهف الذي أتخذ فيما بعد مكانا لتعبد المؤمنين الأوائل ثم تحول إلى دير (عين عباطه) ، كما وجدت أمام هذا الكهف كنيسة بيزنطية يرجع تاريخها إلى القرن الخامس أرضيتها من الفسيفساء الجميل ، ويوجد على بعد 35كم من هذا المكان عمود جاف من الملح يعتقد أنه بقايا زوجة لوط التي عصت تحذير الله بعدم النظر إلى الخلف وهي تهرب من سدوم ، وقد اكتشف هذا الموقع ضمن القراءات على خريطة الأرض المقدسة في مأدبا التي تشير إلى ذلك ، كما عثر في الموقع على ما يفيد أن هذا الكهف استخدم قبل فترة لوط عليه السلام بـ 1500 سنة ، أما البحر الميت فقد أصبح المنتجع الأنسب في الوقت الحاضر للاستجمام والاستشفاء من أمراض الجسد والروح بفضل الله على هذه الأرض المباركة حيث تمتاز مياهه بالتركيز العالي للأملاح المعدنية والطين البركاني والجو المناسب.
مقام النبي شعيب عليه السلام
للنبي شعيب عليه السلام أكثر من موقع ومقام في أرض الأردن المباركة ، فمقامه يقع على بعد 15كم جنوب شرق مدينة السلط ، 40كم من عمان في واد يسمى باسمه ، والكتاب المقدس يتحدث عنه باسم (يثرول) وكاهن مدين وحمو موسى ، وشعيب بن ميكيل بن يشجر بن مدين أحد أولاد إبراهيم الخليل وأمه بنت لوط ، بعثته كانت بعد لوط وقبل موسى عليه السلام. بعثه عز وجل إلى أهل مدين ، وقومه كانوا عربا عاشوا بنعمة وخير وكانت مدينتهم مركزا تجاريا وسوقا يقصد من كل مكان ، الا أنهم كفروا بربهم ومارسوا الغش والخداع فنصحهم وأنذرهم شعيب فطلبوا منه أن يسقط الله عليهم كسفا من السماء إن كان من الصادقين وهكذا أخذهم الله بعذاب يوم الظلة فسلط عليهم حرا شديدا حتى غلت مياههم ثم ساق عليهم غمامة فاجتمعوا تحتها ليتقوا شد حر الشمس فأمطرت عليهم نارا أحرقتهم. شهد مرقد النبي شعيب تجديدات عديدة كان آخرها ما نفذته اللجنة الملكية للأعمار الهاشمي لمقامات الأنبياء والصحابة حيث طور الموقع بشكل جذري وحديث ليضم إلى جانب مرقده الشريف مسجدا وقاعة متعددة الأغراض يتوسطها حوش وسطه نافورة تحيطه أروقة مظللة .
أما مدين التي وردت في الكتاب المقدس باسم مديان فقد ولد وعاش فيها شعيب وهي لازالت قائمة كقرية تقع شمال شرق مؤتة على بعد 10كم من الكرك ، لدى أهلها الكثير من القصص والحكايات الموروثة عن تاريخها والكنوز المدفونة تحت أبنيتها ، وعيون الماء التي لازالت لحد الآن تحكي قصة استسقاء موسى لبنات شعيب. وهكذا عاش موسى في مدين عشر سنوات في خدمة شعيب ، وفي طريقهم إلى مصر وبليلة باردة ظل الطريق بحكمة إلاهية . يقول تعالي قوله تعالى : ( فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إني أنا الله رب العالمين ..) وهكذا كان بدء نبوته أما الشجرة فهي لا زالت تصارع الزمن لحد الآن ، وتقع على بعد 12كم جنوب غرب الكرك تدعى (شجرة المايسة) وعمرها يزيد على ثلاثة آلاف سنة ، والقرية والآبار التي حولها جديرة بالزيارة والاهتمام بوضعها الحاضر حيث العفوية والبدائية في كل شيء.