مقدمة تاريخية
اعلن الشريف حسين بن علي الثورة في الحجاز صباح اليوم التاسع من شعبان 1334هجرية (10 حزيران 1916) بهدف انصاف العرب، واستعادة امجادهم، واحلالهم المكان اللائق بين امم العالم.
وكانت بريطانيا قد تعهدت للشريف حسين بمعاهدة تنص على قيام دولة عربية متحدة مستقلة في الجزء الاسيوي من بلاد العرب.
سارت قوات الثورة بقيادة انجال الشريف الاربعة: علي وفيصل وعبدالله وزيد، واخذت تحرز انتصارات عظيمة في ميدان القتال، وقد اشترك فيها مقاتلون من شبه الجزيرة العربية والعراق وسورية، ولم تلبث معظم اراضي الحجاز وبلداته أن اصبحت في أيدي العرب، وبعد اقل من عام من بدء الثورة بويع الشريف حسين بن علي ملكا على البلاد العربية في اول محرم عام 1335هـ،الموافق 2/11/1916م.
واصلت قوات الثورة تقدمها شمالا "بقيادة الامير فيصل فاكتسحت مدينة العقبة، واستولت على مناطق مهمة من شرق الاردن، وقد هبت القبائل الاردنية لتأييد الثورة والاشتراك في قواتها، وساهمت في ذلك مساهمة فعالة، ويحفظ تاريخ الاردن اسماء القادة العرب وشيوخ العشائر الذين ساهموا واشتركوا في العمليات الحربية، ثم قام العرب بالتعاون مع الجيش البريطاني في خوض معارك ادت الى تراجع القوات التركية، فبينما كانت قوات الجنرال اللنبي تتقدم شمالا "على ارض فلسطين كان جيش الثورة العربية الكبرى بقيادة الامير فيصل يندفع شمالا " على ارض شرق الاردن، ويسبق جيش اللنبي، فدخل الجيش العربي مدينة دمشق صباح يوم 1 تشرين الاول 1918، واستمر في الزحف شمالا" حتى مدينة حلب، الى ان جرى توقيع الهدنة بين الاتراك ودول الحلفاء يوم 31 تشرين الأول 1918.
وفي الوقت الذي كان الحلفاء يظهرون فيه التأييد للعرب، كانوا يجرون فيما بينهم محادثات سرية لاقتسام النفوذ في البلاد العربية بعد ان تضع الحرب اوزارها. وعقدوا لذلك اتفاقية سايكس بيكو في 16ايار 1916، التي نصت على ان يكون لفرنسا النفوذ في سوريا ولبنان، وان يكون لبريطانيا النفوذ في فلسطين والاردن والعراق.
وبعد انتهاء الحرب تأسست في سوريا الداخلية وشرق الاردن دولة عربية برئاسة فيصل بن الحسين الذي نودي به ملكا عليها وسعى العرب مع حلفائهم من اجل تحقيق اهدافهم القومية، ولكن دولتي بريطانيا وفرنسا عملت على تطبيق اتفاقية سايكس بيكو، فقامت فرنسا بغزو الدولة السورية واخرجت الملك فيصل من دمشق في تموز 1920م.
تأسيس الإمارة الأردنية
كانت شرق الأردن جزءا من المملكة العربية السورية التي أعلنها الملك فيصل بن الحسين، واتخذ دمشق عاصمة لها وانهمكت الحكومة الجديدة في تنظيم ادارتها، ولم يمضِ على تأسيسها اربعة اشهر حتى تقدم الفرنسيون الى دمشق ، ووقعت معركة ميسلون في 24 تموز 1920 بين القوات العربية السورية والقوات الفرنسية، وبعدها احتل الفرنسيون دمشق وانتهى الحكم الفيصلي.
لم يتقدم الفرنسيون بعد احتلالهم دمشق نحو الاردن لانها كانت تشكل منطقة نفوذ بريطانية بموجب اتفاقية سايكس بيكو، وتركت المنطقة بدون أي نوع من انواع الحكم والسيطرة، فأصبحت بلا حكومة وبلا جيش وعانت من اضطراب سياسي ملحوظ بعد سقوط الحكومة الفيصلية ، وانقسمت الى حكومات محلية منتشرة في الألوية والمناطق شكلها الشيوخ في كل منطقة، وقد حضر المندوب السامي في فلسطين السير هربرت صموئيل الى مدينة السلط واجتمع بعدد كبير من اعيان ووجهاء الاردن في 21 آب 1920، وعقد زعماء منطقة عجلون اجتماعاً حضره مساعده الميجر سومرست مساعد المندوب السامي في ام قيس بتاريخ 20 ايلول 1920م.
بتاريخ 2 ايلول 1920م، شكلت على اثر الاجتماعات محلية في كل من عجلون والسلط والكرك، كما اوفد المندوب السامي بعد ذلك الاجتماع عددا من الضباط السياسيين ، لمساعدة الحكومات المحلية واصبحوا موزعين كما يلي:
الميجر كامب- كبير المعتمدين ومركزه السلط
الميجر سومرست- مركزه اربد
الكابتن الن كيراكبرايد- ومركزه عمان
الكابتن الك كيركبرايد- ومركزه الكرك
في هذه الاثناء استنجد اهل سورية وشرق الاردن بالملك حسين بن علي في الحجاز، وطلبوا اليه ان يعاونهم على مقاومة العدوان الفرنسي، وصلت الى الملك حسين عدة برقيات يطلبون ايفاد احد انجاله كي يتزعم الحركة الوطنية المناوئة للفرنسيين، وان نجاح تلك الحركة متوقف على مجيء احد الافراد الهاشميين لقيادتها، وعلى هذا جاء الامير عبدالله النجل الثاني للملك حسين من الحجاز على رأس قوة عسكرية صغيرة فبلغ معان يوم 21 تشرين الثاني 1920. وي يوم 5 كانون اول 1920 وجه الامير عبدالله نداء الى السوريين يدعوهم الى الثورة على الفرنسيين ، وناشد ضباط الجيش العربي السوري وجنوده للالتحاق به مع اسلحتهم ، حيث اعلن نفسه نائبا لملك سوريا.
وقد التحق بالامير في معان كل من : العميد غالب الشعلان والنقيب عبدالقادر الجندي، والنقيب خلف التل، والنقيب محمد علي العجلوني، والملازمون احمد التل وبهجت طبارة، وخليل ظاظا ونور الدين البرزنجي ومنيب الطرابلسي، وعمر المغربي، ونبيه العظمة، وكامل البديري، واسد الاطرش، وغيرهم، حيث بلغ عددهم خمسة وعشرين ضابطا ". وبلغ عدد الافراد 250 جنديا ،وشكلو بذلك نواة الجيش العربي.
اوفد الامير عبدالله وهو في معان الشريف علي بن الحسين الحارثي والنقيب محمد علي العجلوني الى عمان لاستقبال الوفود الوطنية وعددا من الضباط العراقيين والسوريين من بينهم: جلال القطب ، وراضي عناب واحمد صدقي الجندي، وطارق الجندي، وغيرهم ممن حاربوا، في صفوف الجيش العربي خلال الحرب.
حشد الفرنسيون قوات كبيرة في حوران، كما تلقى الامير عبدالله تحذيرات من بريطانيا التي كانت قد اعلنت انتدابها على فلسطين وشرق الاردن واتضح له استحالة القتال ضد الدولتين ، فتقدم من معان الى عمان في اوائل اذار 1921، تم اجرى مباحثات مع الوزير البريطاني ونستون تشرتشل، وتم الاتفاق على تأسيس الامارة الاردنية ، وتألفت اول حكومة اردنية في 11 نيسان عام 1921، وقد اعترفت بريطانيا رسميا يوم 25 ايار 1923 باستقلال الامارة الاردنية ومنذ ذلك الحين اصبح هذا اليوم عيد الاستقلال في البلاد.
خضعت فلسطين للانتداب البريطاني الذي يتضمن تنفيذ وعد بلفور، خضعت سوريا ولبنان للانتداب الفرنسي، وفي عام 1925 الحقت منطقة العقبة ومعان بشرقي الاردن ، فيما تأسست في العراق مملكة مستقلة، وبويع فيصل بن الحسين ملكا ًعليها.
تأسيس الجيش العربي
ذكرت بعض المصادر ان قوة الجيش العربي في معان كانت
أ. كتيبة نظامية بقيادة المقدم احمد اسطنبولي مؤلفة من مائتي رجل مسلحين بالبنادق والرشاشات الالمانية والتركية والانكليزية مع كميات قليلة من الذخيرة .
ب. كتيبة هجانه بقيادة ابن رميح النجدي- مؤلفة من مائتي هجان.
وبعد تأليف او لحكومة في 11 نيسان 1921 جرت المشاورات لتشكيل قوة عسكرية، واشرف على تشكيلها الضباط العرب الذين خدموا في الجيش التركي، وقد جرى تشكيلها على النحو التالي:
قوة الدرك الثابتة وعددها 300 رجل
كتيبة الدرك الاحتياطي (الفرسان) وعددها 150 فارسا
كتيبة مشاة نظامية وعددها 200 رجل
كتيبة مشاة نظامية وعددها 100 رجل
قوة هجانة (حرس الامير الخاص) وعددها 100 رجل
المجمـــــــــوع 750 رجل
ونتيجة لارتباط الامارة الاردنية ببريطانيا- الدولة المنتدبة – وبسبب قلة الموارد المالية،فقد انتدبت الحكومة البريطانية فردريك بيك ، لتأليف قوة عسكرية لتساعد على حفظ الامن اطلق عليها اسم (القوة السيارة) وظلت قوة الدرك تحت قيادة ضباط عرب حتى عام 1923، عندما الحقت بالقوة السيارة تحت قيادة الكابتن بيك الذي منح رتبة زعيم ، واطلق على القوة اسم (الجيش العربي) وبلغ عدد رجاله آنذاك 950 جنديا واربعين ضابطا".
لذلك يعتبر الجيش العربي – القوات الاردنية المسلحة حاليا – امتداداً لجيش الثورة العربية الكبرى، وقد ذكر (فيرنيه) الباحث في مركز الدراسات السياسية الخارجية في باريس، في كتابه (الجيش والسياسة في الشرق الاوسط ) ان هذه القوة ستكون النواة لجيش عربي موحد، وهذه التسمية نفسها اطلقت على الوحدات المسلحة، ، التي شاركت الحلفاء في الحرب العالمية الاولى، أي الاسم الذي حمله جيش الثورة العربية بالرغم من ان القوة التي حملت هذا الاسم كانت صغيرة، ويقول الملك عبدالله في مذكراته انه (قرّ القرار على ان يكون هذا الجيش (الجيش العربي) وقد اتيحت الخدمة لكل ضابط عثماني في سوريا ولبنان وفلسطين حتى ينضم اليه ، وينضوي تحت لوائه، وبالطبع فكل عراقي وحجازي متممة من متممات ايجاد هذا الجيش، وقد سماه الانكليز الفيلق العربي The Arab Legion
استمر اسم (الجيش العربي) معمولا به الى ان قام جلالة الملك المغفور له الحسين بن طلال بتعريب قيادة الجيش في اذار 1956 وبعدها اصبح الاسم الجيش العربي الاردني، وفي عام 1957 جرى استعمال اسم القوات المسلحة الاردنية .
استمر الجيش العربي في النمو، وعمل اثناء ذلك على توطين الامن في البلاد، فقضى على بعض حركات التمرد والعصيان، وصد الغزوات التي تعرضت لها البلاد .وفي الاول من نيسان عام 1926، قامت سلطات الانتداب في فلسطين بتأليف قوة سميت (قوة حدود شرق الأردن) فنتج عن ذلك الغاء وحدات المدفعية والرشاشات من الجيس العربي، وانيط به مهمة المحافظة على الامن الداخلي فقط. وبعد ستة اشهر من تشكيل معسكرات في معان وسمخ ، وبسبب تشكيل هذه القوة انقص عدد الجيش العربي من 1472 رجل الى 855 رجل.
وفي 20 شباط 1927 صدر اول قانون للجيش العربي ، وبموجبه اصبح الجيش مؤلفا من ثلاثة اقسام هي: شرطة الارياف وشرطة المدن وموظفو السجون.
وفي اواخر عام 1930بدأ الجيش العربي بتأليف قوة عسكرية صغيرة تحت اسم (قوة البادية) وقد تولى الميجر جلوب انشاء هذه القوة من ابناء البادية، للمحافظة على الامن بين قبائل البدو ومنع الغزوات بين قبائل الأردن وقبائل الاقطار المجاورة، وعين الميجر جلوب برتبة عميد في الجيش وقد استعانت هذه القوة بالسيارات واجهزة اللاسلكي وبانشاء عدد من القلاع ، وقامت بمهامها على خير وجه فلم تلبث البادية الاردنية ان نعمت بالامن مما لم تعرف له مثيلا منذ قرون طويلة.
وفي عام 1937 تم تشكيل قوة احتياطية اطلق عليها اسم "قوة البادية الميكانيكية بلغ تعدادها 600 رجل. وفي ربيع 1939 تولى الفريق جون ياحوت كلوب قيادة الجيش العربي خلفا "للفريق فردريك بيك الذي استقال بعد خدمة ثمانية عشر عاما في الأردن وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية 3 ايلول 1939 كان عدد الجيش العربي حوالي 1600 مقاتل.
كان اندلاع الحرب العالمية الثانية فرصة مهمة بالنسبة للجيش العربي وقد اتاح انشغال بريطانيا بالحرب للامير عبدالله الفرصة لتعزيز وتنظيم الجيش العربي على اسس حديثة، وقد اعلن الامير وقوف بلاده الى جانب الحلفاء ونتيجة لهذا الموقف علمت بريطانيا على تعزيز الجيش العربي، وخاصة بعد سقوط فرنسا في ايدي الالمان.
اشتركت قوة البادية بقيادة الفريق جلوب في حملتي العراق وسوريا عام 1941، وقد برهنت تلك القوة على كفاءة قتالية عالية في الحملة على حكومة فيشي في سوريا، اذ شنت هجومها عبر الصحراء الشرقية فاستولت على السخنة وتدمر ، وأسرت عددا من رجال الجيش الفرنسي ، ثم تحركت القوة الاردنية الى دير الزور ، ولكن خشية الفرنسيين من احتمالات وحدة سورية مع الأردن ادت الى عودة القوة الى قواعدها.
سارت عملية التجنيد والتدريب بهمة بالغة فتشكلت كتيبة المشاة الاولى عام 1941، ثم شكلت كتيبة المشاة الثانية عام 1942 كما تم تشكيل عدة سرايا مستقلة، ثم شكلت كتيبة المشاة عام 1942، كما تم تشكيل عدة سرايا مستقلة ثم شكلت كتيبة المشاة الثالثة عام 1943 ووصل تعداد الجيش في ذلك العام حوالي ستة آلاف ضابط ورتب اخرى، واعيد تنظيم الجيش فشكلت الكتائب الاولى والثانية والثالثة لواء السيارات المسلحة وجرى تشكيل السرايا المستقلة في الحامية الاولى والثانية ، وتضم كل حامية من 7-10 سرايا وقد قامت وحدات الجيش العربي بمهام عسكرية بالغة الاهمية بالنسبة للمجهود الحربي للحلفاء خلال الحرب الثانية وتوزعت السرايا من ايران شرقا الى مصر غربا يحرسون خطوط المواصلات وانابيب النفط والقواعد والمعسكرات والمواني وخطوط سكة الحديد وما ان انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945 حتى كان الجيش العربي قد ارتفع عدده الى ثمانية الاف ضابط ورتب اخرى.