سبع سنابل وسبع سنبلات
قال الله عز وجل :﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ ﴾(البقرة: 261) ، وقال سبحانه :﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ﴾(يوسف: 43) ، فأتى بتمييز العدد ( سَبْعَ ) في آية البقرة على ( سَنَابِلَ ) ، وهو جمع كثرة ، وكان من حقه أن يأتي على ( سُنْبُلاتٍ ) ، فيقال سَبْع سُنْبُلاتٍ ) ، فيطابق العدد معدوده في الدلالة على القلة ؛ كما أتى في الآية الأخرى .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : لم عدل عن ( سُنْبُلاتٍ ) إلى ( سَنَابِلَ ) في آية البقرة ؟
أولاً- والجواب عن ذلك من وجهين :
أحدهما : أن المقام في آية البقرة مقام تكثير وتضعيف ، فناسب ذلك جمع الكثرة . أما آية يوسف فلا مقتضى فيها للتكثير والتضعيف ، فأتى بجمع القلَّة ؛ ليطابق اللفظ المعنى ، ذكر هذا القول الزركشي في البرهان عن بعضهم . وقال البقاعي في نظم الدرِّ عند قوله تعالى :﴿ وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ﴾ ، قال :« ولما كان تأويل المنام : الجدب والقحط والشدة ، أضاف العدد إلى جمع القلة ، بخلاف ما كان في سياق المضاعفة في قوله :﴿ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾ ، فقال :﴿ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ﴾ » .
والثاني : قيل : إن جمع السلامة ، بالواو والنون ، أو بالألف والتاء ، لا يميَّز به من ( ثلاثة ) إلى ( عشرة ) ؛ إلا في موضعين :
الموضع الأول : ألا يكون لذلك المفرد جمع سواه ؛ كقوله تعالى :﴿ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾(الطلاق:12) ، فجاء بجمع ( سماء ) على ( سموات ) ؛ لأنه ليس لها سوى هذا الجمع . وكذلك قوله تعالى :﴿ سَبْعَ بَقَرَاتٍ ﴾(يوسف: 43) ، وقوله :﴿ تِسْعَ آيَاتٍ ﴾(الإسراء: 101) ، وقوله :﴿ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ ﴾(البقرة:157) ؛ لأن ( بقرة ) ، و( آية ) ، و( صلاة ) ليس لها سوى هذا الجمع ، ولم تجمع على غيره .
والموضع الثاني : أن يكون مجاورًا لما أهمل فيه هذا الجمع ، وإن كان المجاور لم يهمل فيه هذا الجمع ، فيعدل إليه لمجاورة غيره ؛ فقوله تعالى :﴿ وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ﴾(يوسف: 46) ، لمَّا عُطِفَ على :﴿ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ﴾(يوسف: 46) وجاوره ، حَسُن فيه الجمع بالألف والتاء . ولو كان لم يُعْطَفْ ولم يجاور ، لكان :﴿ وسَبْعُ سَنَابِلَ ﴾ ؛ كما في آية البقرة ؛ ولذلك إذا عرِّيَ الجمع عن المجاور ، جاء على صيغة جمع التكسير في الأكثر والأوْلى ، وإن كان يجمع جمع سلامة ، ومثال ذلك قوله تعالى :﴿ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ ﴾(الحاقة: 7) ، وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ ﴾(المؤمنون:17) . لم يقل سبع ليلات ) ، ولا ( سبع طريقات ) ، وإن كان ذلك جائزًا ، في جمع : ( ليلة ) ، و( طريقة ) .
ويتحصَّل من ذلك : أن قوله تعالى :﴿ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾ ، جاء على ما تقرر في العربية ، من كونه جمعًا متناهيًا ، وأن قوله :﴿ وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ﴾ ؛ إنما جاز لأجل مشاكلة :﴿ سَبْعَ بَقَرَاتٍ ﴾ قبله ، ومجاورته له . وهذا حاصل جواب أبي حيان في البحر المحيط ، وهو الصواب ، إن شاء الله ؛ لأن الجواب الأول لو صح حمل آية البقرة وآية يوسف عليه ، فإنه لا يصح حمل غيرهما من الآيات عليه ؛ كقوله تعالى :﴿ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ ﴾(الحاقة: 7) ، وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ ﴾(المؤمنون:17) ، والله تعالى أعلم !
ثانيًا- وسئل الدكتور فاضل السامرائي في ( لمسات بيانية ) : ( متى يستعمل جمع القلة ، وجمع الكثرة في القرآن الكريم ؟ )
فأجاب بقوله :« القاعدة النحوية أن يكون جمع القلة للقلة ، وجمع الكثرة للكثرة ) ؛ مثل دراهم معدودة ) جمع قلة ، و( دراهم معدودات ) جمع كثرة ، و( أربعة أشهر ) جمع قلة ، و( عدة الشهور ) جمع كثرة ، ( سبعة أبحر ) جمع قلة ، و( وإذا البحار سُجّرت ) جمع كثرة ، ( ثلاثة آلآف ) جمع قلة ، و( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ) أكثر من عشرة جمع كثرة » .
ثم قال :« ويجوز ( أن يستعمل القلة للكثرة ، والكثرة للقلة ) . أما في القرآن قد يُعطَى وزن القلة للكثرة ، والعكس ، لأمر بليغ . وقد جاء في سورة البقرة :﴿ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ﴾ سبع ، جمع قلَّة ، استعملت مع جمع كثرة ؛ لأنها في مقام مضاعفة الأجور والتكثير . وفي سورة يوسف :﴿ وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ﴾ سبع ، استعملت مع جمع القلة ( سنبلات ) ؛ لأن الآية تتحدث عن حلم ، ولا مجال للتكثير فيه ، إنما هو مجرد حلم ؛ لذا استعملت بمعنى القلة » .
وأضاف الدكتور العلامة قائلاً :« وتستعمل للمقارنة بين معنيين ؛ مثل : قيام جمع كثرة ، وقائمون جمع قلة ، وكذلك أعين للبصر ، وعيون للماء ، والأبرار جمع قلة ، وهي تستعمل للمؤمنين فقط ( إن الأبرار لفي نعيم ) ، والبررة جمع كثرة ، وهي تستعمل للملائكة فقط ؛ لأنهم أكثر ( كرام بررة ) » .
وانتهى الدكتور العلامة من ذلك إلى القول :« وقوله تعالى دراهم معدودة ) مناسبة مع كلمة ( بخس ) في قوله وشروه بثمن بخس ) في سورة يوسف ( أكثر من عشرة فهي كثرة ) ؛ لكن حتى لو دفعوا أكثر من عشرة دراهم يبقى ثمنًا بخسًا . وقوله أيامًا معدودات ) في آية الصيام في سورة البقرة قللّها ، فهي أيام معدودات ، ليس كثيرة ، وهنا تنزيل الكثير على القليل ، وقد قلل أيام الصيام ، لكن أجرها كبير » .
وكان العلامة السامرائي قد أجاب في لمسة أخرى من لمساته الغبية عن السؤال الآتي ما الفرق بين دلالة الجمع في معدودة ، ومعدودات ؟ ) ، فأجاب بقوله :« معدودات ( جمع قلّة ) ، وهي تفيد القلّة وهي ( أقل من 11 ) . أما ( معدودة فهي جمع كثرة وهي أكثر من معدودات ) هي ( أكثر من 11 ) . والقاعدة العامة : ( أنه إذا وصفنا الجمع غير العاقل بالمفرد ، فإنه يفيد الكثرة ) . ومثال ذلك : أنهار جارية ، وأنهار جاريات . الجارية أكثر من حيث العدد من الجاريات . وأشجار مثمرة أكثر من مثمرات ، وجبال شاهقة أكثر من شاهقات . مثال : قال تعالى في سورة آل عمران ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {24}) اختيار كلمة ( معدودات ) في هذه الآية ؛ لأن الذنوب التي ذُكرت في هذه الآية أقلّ . وقال تعالى في سورة البقرة وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {80}) اختيار كلمة ( معدودة ) في هذه الآية ؛ لأن الذنوب التي ذُكرت في هذه الآية أكثر » .
فتأمل يا مَنْ عددت هذا الرجل في الراسخين في العلم ، ووصفته بأنه بحر العربية ، وقلت عنه متعجبًا : السامرائي ، وما أدراك ما السامرائي ! ووصفته بأنه من المبدعين ، وأن إبداعه لا حدود له ، وأن الله قد فتح له عليه منن خزائن علمه فتوح العارفين .. تأمل أقواله ، كيف تتعارض ، وينطح بعضها بعضًا :
1- ( معدودات جمع قلّة . أما معدودة فهي جمع كثرة وهي أكثر من معدودات ) . مثل : ( أَيَّاماً مَّعْدُودَةً ) أكثر من ( أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ ) .
2- القاعدة النحوية أن يكون جمع القلة للقلة ، وجمع الكثرة للكثرة ) . مثل : ( دراهم معدودة ) جمع قلة ، و( دراهم معدودات ) جمع كثرة .
3- القاعدة العامة : ( أنه إذا وصفنا الجمع غير العاقل بالمفرد ، فإنه يفيد الكثرة )
4- يجوز ( أن يستعمل القلة للكثرة ، والكثرة للقلة ) . أما في القرآن قد يُعطَى وزن القلة للكثرة ، والعكس ، لأمر بليغ .
5- ( سبع جمع قلَّة ) ، استعملت مع جمع كثرة ( سنابل ) .. واستعملت مع جمع القلة ( سنبلات ) .
6- قوله تعالى دراهم معدودة ) مناسبة مع كلمة ( بخس ) في قوله وشروه بثمن بخس ) في سورة يوسف ( أكثر من عشرة فهي كثرة )
7- قوله أيامًا معدودات ) في آية الصيام في سورة البقرة قللّها ، فهي أيام معدودات ، ( ليس كثيرة ) .
وأحسن ما يمكن أن يقال في التعليق على هذه الأقوال المزعومة أنها لا تستحق التعليق !
ثالثًا- وهنا أود أن أنبه أصحاب العقول السليمة والأفهام الصحيحة أن ( جمع القلة ) نوعان : جمع تكسير ، وجمع سالم :
أما ( جمع التكسير ) ، فذكر اللغويون له أربعة أوزان ، وهي : ( فِعْلَة ـ أفْعَال ـ أفعُل ـ أفْعِلَة ) . وأما ( الجمع السالم ) فما كان بالألف والتاء ، والواو والنون ، أو الياء والنون .. ويشترط في دلالة هذه الجموع على القلة أن تأتي بصيغة التنكير ، ما لم يقترن بها ما يبيِّن أن المراد بها الكثرة ؛ كأن تستعمل في السياق معرَّفة بـ( ال ) غير العهدية ، أو ( الإضافة ) ، فحينئذ تدل على الكثير ؛ كما تدل عليه جموع الكثرة .
مثال الجمع السالم الذي يدل على القلة قولك : مسلمون ومسلمات . فإذا قلت : المسلمون والمسلمات ، دل كل منهما على الكثرة . وهذا ما أشار إليه ابن جني ، واحتج له بقوله تعالى :﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾(الأحزاب: 35) ، فالغرض في جميع ذلك الكثرة ، لا القلة .
ومثال جمع التكسير الذي يدل على القلة قولك : أصحاب ، وأبرار . فإذا أردت الكثرة ، قلت : الأصحاب ، والأبرار ؛ كما قال تعالى :﴿ وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ ﴾(آل عمران: 193) . والأبرار جمع ( بَرٍّ ) ، أو ( بارٍّ ) ؛ كـ( رب وأرباب ) ، و( صاحب وأصحاب ) ، وهم هنا : الأنبياء الصالحون ، وقيل : هم : الطائعون لله . وقيل : هم هنا الذين بروا الآباء والأبناء . وعلى الأقوال كلها هم كثرة ، لا قلة . وهذا ما لم يصل إليه علم السامرائي بعدُ ؛ ولذلك تجده في أحد أقواله السابقة يزعم أن الأبرار في قوله تعالى :﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾(الانفطار: 13) جمع قلة ، وخصَّه بالمؤمنين فقط .
وإلى مثل هذا ذهب ، وهو يقارن بين مجيء ( الحق ) بالتعريف في قوله تعالى :﴿ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾(البقرة: 61) ، وبالتنكير في قوله تعالى :﴿ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾(آل عمران: 112) ، فزعم أن التشنيع على اليهود والعيب على فعلهم وذمّهم في سورة آل عمران أشدّ منه في آية البقرة ، واستدل على ذلك بأن جمع ( النبيين ) في آية البقرة ذكر بصورة القِلّة ﴿ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ ﴾ أي : يقتلون العدد القليل منهم بغير الحق ، وذكر ( الأنبياء ) في آية آل عمران بصورة الكثرة ﴿ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء ﴾ . أي : يقتلون العدد الكثير من الأنبياء بغير حق .
وقد نصَّ أبو حيان في البحر المحيط على أنه لا فرق في الدَّلالة بين ( النبيين ) ، و( الأنبياء ) ؛ « لأنَّ الجمعين ، إذا دخلت عليهما ( ال ) تساويا ، بخلاف حالهما إذا كانا نكرتين ؛ لأن جمع السَّلامة ؛ إذ ذاك ظاهر في القلَّة ، وجمع التْكسير على أفعلاء ظاهر في الكثرة » . وهذا ما قرَّره أبو حيَّان أيضًا عند تفسير قوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾(لقمان: 27) ردًّا على الزمخشري الذي ذهب إلى أن ( كلمات ) جمع قلة ، فقال :« وعلى تسليم أن ( كلمات ) جمع قلة ، فجموع القلة ، إذا تعرفت بالألف واللام غير العهدية أو أضيفت ، عمَّت وصارت لا تخص القليل ، والعام مستغرق لجميع الأفراد » .
أما ( معدودات ) فهي جمع ( معدودة ) مؤنَّث ( معدود ) ، ولا يمكن أن تكون ( معدودة ) جمعًا إلا في لغة من يجعل العدد ( سبع ) جمع قلة . وكنت قد ذكرت في مقالي ( الأيام المعدودة والمعدودات ) أن معنى كل منهما : قلائل ، يحصرها العدُّ ؛ أقلها : ثلاثة ، وأكثرها : أربعون ، وذكرت قول الزمخشري في تفسير قوله تعالى :﴿ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ :« تعدُّ عدًّا ، ولا تُوزَنُ ؛ لأنهم كانوا لا يزنون إلا ما بلغ الأوقية ، وهي الأربعون ، ويعدون ما دونها » . ثم علل لذلك بقوله : « وقيل للقليلة : معدودة ؛ لأن الكثيرة يمتنع من عدِّها لكثرتها » . فهذه الكثيرة لا يحصرها العد لكثرتها ؛ ولذلك يقال فيها : ( أيام عديدة ) ، و( دراهم عديدة ) .
بقي أن أذكِّر بأن الفرق بين ( معدودة ) ، و( معدودات ) : أن ( مَّعْدُودَاتٍ ) تدل على عدد معين . أي : أنها معيَّنة العدِّ في نفسها ، بخلاف ( مَّعْدُودَة ) ، والى هذا ذهب بعض المفسرين ، منهم أبو حيان ، وذكره الزمخشري في تفسير قوله تعالى :﴿ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ ﴾(البقرة 184) ، فقال :« معدودات : مؤقَّتات بعدد معلوم » ، وتابعه في ذلك الرازي . والدليل عليه أن المراد بالأيام المعدودات في آية البقرة : أيام شهر رمضان في أصح الأقوال . قال الراغب في مفرداته :« وقوله :﴿ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ ﴾ فإشارة إلى شهر رمضان » . وقال الراغب أيضًا :« وقوله تعالى :﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ﴾(الحج: 28) . وقوله :﴿ وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ﴾ فهي ثلاثة أيام بعد النحر ، والمعلومات عشر ذي الحجة . وعند بعض الفقهاء المعدودات : يوم النحر ، ويومان بعده . فعلى هذا يوم النحر يكون من المعدودات ، والمعلومات » . ومثل ذلك أيضًا قوله تعالى :﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ﴾(البقرة: 197) ، وأشهر الحج معلومة لدى الجميع